فصل: بَاب مَا يُوجِبُ الْقِصَاص وَمَا لَا يُوجِبهُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.بَاب التَّصَرُّف فِي الرَّهْن وَجِنَايَته وَالْجِنَايَة عَلَيْهِ:

لَمَّا ذَكَرَ الرَّهْنَ وَأَحْكَامَهُ شَرَعَ فِيمَا يَعْتَرِضُ عَلَيْهِ إذَا عَارَضَهُ بَعْدَ وُجُودِهِ (بَيْعُ الرَّاهِنِ الرَّهْنَ مَوْقُوفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ قَضَاءِ دَيْنِهِ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ نَافِذٌ كَالْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ مِلْكِهِ وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ وَإِنْ تَصَرَّفَ الرَّاهِنُ فِي مِلْكِهِ كَالْوَصِيَّةِ يَتَوَقَّفُ نَفَاذُهَا فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ عَلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِمْ بِهِ فَإِنْ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ جَازَ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ النَّفَاذِ حَقُّهُ وَقَدْ زَالَ بِالْإِجَازَةِ وَإِنْ قَضَى الرَّاهِنُ دَيْنَهُ جَازَ أَيْضًا لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ لِنَفَاذِ الْبَيْعِ مَوْجُودٌ وَهُوَ التَّصَرُّفُ الصَّادِرُ عَنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحِلِّ وَقَدْ زَالَ الْمَانِعُ مِنْ النُّفُوذِ (فَإِنْ أَجَازَ صَارَ ثَمَنُهُ رَهْنًا مَكَانَهُ) وَفِي الْهِدَايَةِ فَإِذَا نَفَذَ الْبَيْعُ بِإِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ يَنْتَقِلُ حَقُّهُ إلَى بَدَلِهِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ حَقَّهُ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ وَالْبَدَلُ لَهُ حُكْمُ الْمُبْدَلِ وَصَارَ كَالْعَبْدِ الْمَدْيُونِ إذَا بِيعَ بِرِضَاءِ الْغُرَمَاءِ يَنْتَقِلُ حَقُّهُمْ إلَى الْبَدَلِ لِأَنَّهُمْ رَضُوا بِالِانْتِقَالِ دُونَ السُّقُوطِ رَأْسًا فَكَذَا.
هَذَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ الثَّمَنُ رَهْنًا إذَا كَانَ الرَّاهِنُ شَرَطَ أَنْ يُبَاعَ بِدَيْنِهِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فَلَا وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ أَمَّا إذَا دَفَعَهُ إلَى الرَّاهِنِ فَقِيلَ لَا يَبْقَى الرَّهْنُ فَلَا يَكُونُ الثَّمَنُ رَهْنًا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَبْقَى رَهْنًا لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَازَةِ فَلَا يَبْطُلُ الرَّهْنُ لَكِنْ يَبْطُلُ ضَمَانُهُ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ.
(وَإِنْ لَمْ يُجِزْ) الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ (وَفَسَخَ لَا يَنْفَسِخُ فِي الْأَصَحِّ) إذْ ثُبُوتُ حَقِّ الْفَسْخِ لَهُ لِضَرُورَةِ صِيَانَةِ حَقِّهِ وَلَا حَاجَةَ إلَى هَذِهِ الضَّرُورَةِ إذْ حَقُّهُ فِي الْحَبْسِ لَا يَبْطُلُ بِانْعِقَادِ هَذَا الْعَقْدِ فَيَبْقَى مَوْقُوفًا وَيَنْفَسِخُ فِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ كَعَقْدِ الْفُضُولِيِّ حَتَّى لَوْ اسْتَفَكَّهُ الرَّاهِنُ فَلَا سَبِيلَ لِلْمُشْتَرِي عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ مَوْقُوفًا (فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي صَبَرَ إلَى أَنْ يُفَكَّ الرَّهْنُ) لِأَنَّ الْعَجْزَ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ (أَوْ رَفَعَ) الْمُشْتَرِي (الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَفْسَخَهُ) أَيْ يَفْسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بِسَبَبِ الْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ فَإِنَّ وِلَايَةَ الْفَسْخِ إلَى الْقَاضِي لَا إلَى الْمُشْتَرِي كَمَا إذَا أَبَقَ الْعَبْدُ الْمُشْتَرَى قَبْلَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي لِمَا ذَكَرْنَا كَذَلِكَ هُنَا وَلَوْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ بَاعَهُ بَيْعًا ثَانِيًا مِنْ غَيْرِهِ قَبْلَ أَنْ يُجِيزَهُ الْمُرْتَهِنُ فَالثَّانِي مَوْقُوفٌ أَيْضًا عَلَى إجَازَتِهِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَنْفُذْ وَالْمَوْقُوفُ لَا يَمْنَعُ تَوَقُّفَ الثَّانِي فَلَوْ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ الثَّانِي جَازَ الثَّانِي وَلَوْ بَاعَ الرَّاهِنُ ثُمَّ أَجَّرَ أَوْ رَهَنَ أَوْ وَهَبَ مِنْ غَيْرِهِ وَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ هَذِهِ الْعُقُودَ جَازَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ وَالْفَرْقُ هُوَ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ ذُو حَظٍّ مِنْ الْبَيْعِ الثَّانِي لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ حَقُّهُ بِبَدَلِهِ فَيَصِحُّ تَعْيِينُهُ لِتَعَلُّقِ فَائِدَتِهِ بِهِ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي هَذِهِ الْعُقُودِ لِأَنَّهُ لَا بَدَلَ فِي الْهِبَةِ وَالرَّهْنِ وَاَلَّذِي فِي الْإِجَارَةِ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ لَا بَدَلَ الْعَيْنِ وَحَقُّهُ فِي مَالِيَّةِ الْعَيْنِ لَا فِي الْمَنْفَعَةِ فَكَانَتْ إجَازَتُهُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ فَزَالَ الْمَانِعُ فَنَفَذَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ فَوَضَحَ الْفَرْقُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَصَحَّ عِتْقُ الرَّاهِنِ) مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا (الرَّهْنَ) أَيْ الْعَبْدَ الرَّهْنَ بِلَا إذْنِ الْمُرْتَهِنِ.
(وَ) كَذَا يَصِحُّ (تَدْبِيرُهُ وَاسْتِيلَادُهُ) عِنْدَنَا لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ صَدَرَ عَنْ الْأَهْلِ وَوَقَعَ فِي الْمَحِلِّ فَخَرَجُوا مِنْ الرَّهِينَةِ لِبُطْلَانِ الْمَحَلِّيَّةِ فَلَا يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُمْ وَإِنَّمَا لَا يَنْفُذُ بِبَيْعِهِ لِلْعَجْزِ عَنْ التَّسْلِيمِ وَالْبَيْعُ مُفْتَقِرٌ إلَى الْقُدْرَةِ عَلَى التَّسْلِيمِ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ وَلِهَذَا يَنْفُذُ إعْتَاقُ الْآبِقِ دُونَ بَيْعِهِ (فَإِنْ كَانَ) الرَّاهِنُ (مُوسِرًا طُولِبَ بِدَيْنِهِ إنْ) كَانَ (حَالًّا) لِأَنَّهُ لَوْ طُولِبَ بِأَدَاءِ الْقِيمَةِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ (وَأُخِذَتْ قِيمَةُ الرَّهْنِ) أَيْ أَخَذَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ قِيمَةَ الْعَبْدِ (فَجُعِلَتْ) أَيْ الْقِيمَةُ (رَهْنًا مَكَانَهُ لَوْ) كَانَ الدَّيْنُ (مُؤَجَّلًا) حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ لِأَنَّ السَّبَبَ الضَّمَانُ مُتَحَقِّقٌ وَفِي التَّضْمِينِ فَائِدَةٌ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْكُلُّ رَهْنًا فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ اقْتَضَاهُ بِحَقِّهِ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَرَدَّ الْفَضْلَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَإِنْ كَانَ) الرَّاهِنُ (مُعْسِرًا سَعَى) الْعَبْدُ (الْمُعْتَقُ فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ) أَيْ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ سَعَى الْعَبْدُ فِي الْقِيمَةِ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ سَعَى فِي الدَّيْنِ وَإِنَّمَا يَسْعَى لِأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ اسْتِيفَاءِ حَقِّهِ مِنْ الرَّاهِنِ الْفَقِيرِ فَيَأْخُذُ مِنْ الْمُنْتَفِعِ بِالْعِتْقِ وَهُوَ الْعَبْدُ بِمِقْدَارِ مَالِيَّتِهِ إذْ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْعَى فِيمَا زَادَ عَلَى مِقْدَارِهَا (وَرَجَعَ) الْعَبْدُ (بِهِ) أَيْ بِمَا سَعَى (عَلَى سَيِّدِهِ) إذَا أَيْسَرَ لِأَنَّهُ قَضَاهُ بِإِلْزَامِ الشَّرْعِ وَمَنْ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمُسْتَسْعَى فِي إعْتَاقِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي ضَمَانًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَسْعَى لِتَحْصِيلِ الْعِتْقِ عِنْدَهُ وَلِتَكْمِيلِهِ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إنَّهُ يَنْفُذُ إنْ كَانَ مُوسِرًا لِإِمْكَانِهِ تَضْمِينَهُ وَلَا يَنْفُذُ إنْ كَانَ مُعْسِرًا.
(وَ) سَعْيُ (الْمُدَبَّرِ وَأَمِّ الْوَلَدِ) فِي التَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ (فِي كُلِّ الدَّيْنِ بِلَا رُجُوعٍ) لِأَنَّ كَسْبَ الْمُدَبَّرِ وَالْمُسْتَوْلَدِ مِلْكُ الْمَوْلَى فَيَسْعَيَانِ فِي كُلِّ دَيْنِهِ بِلَا رُجُوعٍ (وَإِتْلَافُهُ) أَيْ إتْلَافُ الرَّاهِنِ الرَّهْنَ (كَإِعْتَاقِهِ مُوسِرًا) أَيْ إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أُخِذَ مِنْهُ كُلُّ الدَّيْنِ وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا أَخَذَ قِيمَتَهُ لِيَكُونَ رَهْنًا عِنْدَهُ إلَى زَمَانِ حُلُولِ الْأَجَلِ.
(وَإِنْ أَتْلَفَهُ) أَيْ الرَّهْنَ (أَجْنَبِيٌّ) أَيْ غَيْرُ الرَّاهِنِ (ضَمَّنَهُ) أَيْ الْمُتْلِفَ (الْمُرْتَهِنُ قِيمَتَهُ) أَيْ الرَّهْنِ يَوْمَ هَلَكَ (فَكَانَتْ) الْقِيمَةُ (رَهْنًا مَكَانَهُ) لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِعَيْنِ الرَّهْنِ حَالَ قِيَامِهِ فَكَذَا فِي اسْتِرْدَادِ مَا قَامَ مَقَامَهُ وَالْوَاجِبُ فِي هَذَا الْمُسْتَهْلَكِ قِيمَتُهُ يَوْمَ هَلَكَ بِاسْتِهْلَاكِهِ بِخِلَافِ ضَمَانِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ تُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الِاسْتِهْلَاكِ خَمْسَمِائَةٍ وَيَوْمَ الِارْتِهَانِ أَلْفًا غُرِّمَ خَمْسَمِائَةٍ وَكَانَتْ رَهْنًا وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي ضَمَانِ الرَّهْنِ يَوْمَ قَبْضِهِ كَمَا مَرَّ لِأَنَّهُ بِهِ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ لِأَنَّهُ قَبَضَ الِاسْتِيفَاءَ إلَّا أَنَّهُ يَتَقَرَّرُ عِنْدَ الْهَلَاكِ وَلَوْ اسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ وَالدَّيْنُ مُؤَجَّلٌ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ الْغَيْرِ وَكَانَتْ رَهْنًا فِي يَدِهِ حَتَّى يَحِلَّ الْأَجَلُ لِأَنَّ الضَّمَانَ بَدَلُ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ حُكْمُهُ وَيُؤَجَّلُ الدَّيْنُ وَالْمَضْمُونُ مِنْ جِنْسِهِ حَقُّهُ اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ مِنْهُ دَيْنَهُ وَرَدَّ الْفَضْلَ عَلَى الرَّاهِنِ إنْ كَانَ فِيهِ فَضْلٌ وَإِنْ كَانَ دَيْنُهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ رَجَعَ بِالْفَضْلِ وَإِنْ نَقَصَتْ عَنْ الدَّيْنِ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ إلَى خَمْسِمِائَةٍ وَقَدْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفًا وَجَبَ بِالِاسْتِهْلَاكِ خَمْسُمِائَةٍ وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ لِأَنَّ مَا انْتَقَصَ كَالْهَالِكِ وَسَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ لَا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْبَاقِي بِالْإِتْلَافِ وَهُوَ قِيمَتُهُ يَوْمَ التَّلَفِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ مُشْكِلٌ فَإِنَّ النُّقْصَانَ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَلَا مُعْتَبَرًا فَكَيْفَ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ خَمْسُمِائَةٍ سِوَى مَا ضَمِنَ بِالْإِتْلَافِ وَكَيْفَ يَكُونُ مَا انْتَقَضَ بِهِ كَالْهَالِكِ حَتَّى يَسْقُطَ الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ وَهُوَ لَمْ يَنْتَقِضُ إلَّا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ وَهُوَ لَا يُعْتَبَرُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَسْقُطُ بِمُقَابَلَتِهِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ لَكِنَّ الْإِشْكَالَ يَضْمَحِلُّ بِقَوْلِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ فَهُوَ مَضْمُونٌ بِالْقَبْضِ السَّابِقِ لَا بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ إذْ لَا شَكَّ أَنَّ الْقَبْضَ السَّابِقَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَبْضُ.
اسْتِيفَاءٍ فَبِالْهَلَاكِ يَتَقَرَّرُ الضَّمَانُ وَلَمَّا كَانَ الْمُعْتَبَرُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَبْضِ وَقَدْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ أَلْفًا ثُمَّ انْتَقَصَتْ مِنْهُمَا خَمْسُمِائَةٍ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ سَقَطَ عَنْ الدَّيْنِ لَا مَحَالَةَ مِقْدَارُ تَمَامِ الْأَلْفِ خَمْسُمِائَةٍ مِنْهُ بِإِتْلَافِهِ خَمْسَمِائَةٍ مِنْهُ بِقَبْضِهِ السَّابِقِ حَيْثُ كَانَتْ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْقَبْضِ أَلْفًا تَامًّا وَلَا تَأْثِيرَ فِي سُقُوطِ شَيْءٍ مِنْهُ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ أَصْلًا وَهَذَا ظَاهِرٌ مِنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا تَدَبَّرْ.
(وَلَوْ أَعَارَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ) أَيْ فَعَلَ بِهِ مِثْلَ مَا يَفْعَلُ بِالْعَارِيَّةِ وَإِلَّا فَالْعَارِيَّةُ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ وَالْمُرْتَهِنُ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ وَفِي الْمِنَحِ تَفْصِيلٌ فَلْيُرَاجَعْ (مَنْ رَاهَنَهُ خَرَجَ مِنْ ضَمَانِهِ) لِأَنَّ الضَّمَانَ كَانَ بِاعْتِبَارِ قَبْضِهِ وَقَدْ انْتَقَضَ بِالرَّدِّ إلَى صَاحِبِهِ فَارْتَفَعَ الضَّمَانُ لِارْتِفَاعِ الْمُقْتَضِي لَهُ فَلَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى صَاحِبِهِ لِأَنَّ الِاسْتِرْدَادَ بِإِذْنِهِ (وَبِرُجُوعِهِ) أَيْ بِرُجُوعِ الرَّهْنِ إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ (يَعُودُ ضَمَانُهُ) حَتَّى يَذْهَبَ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ لِعَوْدِ الْقَبْضِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ (الرُّجُوعُ) مِنْ الْإِعَارَةِ (مَتَى شَاءَ) لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ بَاقٍ إلَّا فِي حُكْمِ الضَّمَانِ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ.
(وَلَوْ أَعَارَهُ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَعَارَ الْمُرْتَهِنُ أَوْ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ (بِإِذْنِ الْآخَرِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ خَرَجَ مِنْ ضَمَانِهِ أَيْضًا) لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ أَنَّ الضَّمَانَ كَانَ بِاعْتِبَارِ قَبْضِهِ وَقَدْ انْتَقَضَ (فَلَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ) أَيْ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ (هَلَكَ مَجَّانًا) لِارْتِفَاعِ الْقَبْضِ الْمُوجِبِ لِلضَّمَانِ (وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ (أَنْ يَرُدَّهُ) مِنْ الْمُسْتَعِيرِ (رَهْنًا) كَمَا كَانَ لِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الرَّهْنِيَّةِ بِالْإِعَارَةِ وَلِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَقًّا مُحْتَرَمًا فِي الرَّهْنِ وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ إذَا بَاشَرَهَا أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ حَيْثُ يَخْرُجُ عَنْ الرَّهْنِ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِعَقْدٍ مُبْتَدَأٍ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(فَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ رَدِّهِ) أَيْ قَبْلَ رَدِّ الْمُسْتَعِيرِ الرَّهْنَ أَيْ الْمُرْتَهَنَ (فَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِهِ) أَيْ بِالرَّهْنِ (مِنْ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ) لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ بَاقٍ فِيهِ إذْ يَدُ الْعَارِيَّةِ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ وَكَوْنُهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مَرْهُونٍ فَإِنَّ وَلَدَ الْمَرْهُونِ مَرْهُونٌ وَلَيْسَ بِمَضْمُونٍ بِالْهَلَاكِ فَظَهَرَ مِنْهُ أَنَّ الضَّمَانَ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الرَّهْنِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
(وَلَوْ اسْتَعَارَ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ مِنْ رَاهِنِهِ) لِلْعَمَلِ (أَوْ اسْتِعْمَالِهِ بِإِذْنِهِ فَهَلَكَ حَالَ اسْتِعْمَالِهِ سَقَطَ ضَمَانُهُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْمُرْتَهِنِ لِثُبُوتِ يَدِ الْعَارِيَّةِ بِالِاسْتِعْمَالِ وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِيَدِ الرَّهْنِ فَانْتَفَى الضَّمَانُ.
(وَإِنْ هَلَكَ) الرَّهْنُ (قَبْلَ اسْتِعْمَالِهِ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ (أَوْ) هَلَكَ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ اسْتِعْمَالِهِ (فَلَا) يَسْقُطُ ضَمَانُهُ عَنْ الْمُرْتَهِنِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِبَقَاءِ عَقْدِ الرَّهْنِ وَالْيَدِ وَالضَّمَانِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ يَدَ الْعَارِيَّةِ تُرْفَعُ بِالْفَرَاغِ فَيَبْقَى عَلَى أَصْلِ الرَّهْنِ.
وَصَحَّ اسْتِعَارَةُ شَيْءٍ (لِيَرْهَنَهُ) ذَلِكَ الشَّيْءَ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْيَدِ فَيُعْتَبَرُ بِالتَّبَرُّعِ بِإِثْبَاتِ مِلْكِ الْعَيْنِ وَالْيَدِ وَهُوَ قَضَاءُ الدَّيْنِ بِمَالِهِ وَيَجُوزُ أَنْ يَنْفَصِلَ مِلْكُ الْيَدِ عَنْ مِلْكِ الْعَيْنِ ثُبُوتًا لِلْمُرْتَهِنِ كَمَا يَنْفَصِلُ فِي حَقِّ الْبَائِعِ زَوَالًا لِأَنَّ الْبَيْعَ يُزِيلُ الْمِلْكَ دُونَ الْيَدِ (فَإِنْ أَطْلَقَ) الْمُعِيرُ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ (رَهَنَهُ) أَيْ الْمُسْتَعِيرُ (بِمَا شَاءَ) مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ (عِنْدَ مَنْ شَاءَ) عَمَلًا لِلْإِطْلَاقِ (وَإِنْ قَيَّدَ) الْمُعِيرُ مَا أَعَارَهُ لِلرَّهْنِ (بِقَدْرٍ أَوْ جِنْسٍ أَوْ مُرْتَهِنٍ أَوْ بَلَدٍ تَقَيَّدَ بِهِ) فَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنْهُ إذْ كُلُّ ذَلِكَ لَا يَخْلُو عَنْ إفَادَةِ شَيْءٍ مِنْ التَّيَسُّرِ وَالْحِفْظِ وَالْأَمَانَةِ ثُمَّ بَيَّنَ فَائِدَتَهُ فَقَالَ (فَإِنْ خَالَفَ) مَا قَيَّدَهُ بِهِ الْمُعِيرُ فَهَلَكَ كَانَ ضَامِنًا (فَإِنْ شَاءَ الْمُعِيرُ ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ) قِيمَتَهُ (وَيَتِمُّ الرَّهْنُ بَيْنَهُ) أَيْ بَيْنَ الْمُسْتَعِيرِ وَالرَّاهِنِ (وَبَيْنَ مُرْتَهِنِهِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ فَصَارَ الرَّاهِنُ كَالْغَاصِبِ وَالْمُرْتَهِنُ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ (أَوْ الْمُرْتَهِنُ وَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ بِمَا ضَمِنَهُ وَبِدَيْنِهِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ لِمَا مَرَّ) فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَإِنْ خَالَفَ إلَى خَيْرٍ بِأَنْ عَيَّنَ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ فَرَهَنَهُ بِأَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ.
(وَإِنْ وَافَقَ) الْمُسْتَعِيرُ فِي ارْتِهَانِهِ بَعْدَمَا عَيَّنَهُ الْمُعِيرُ (وَهَلَكَ عِنْدَ مُرْتَهِنِهِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ) إنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلُ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ (أَوْ) صَارَ مُسْتَوْفِيًا (قَدْرَ قِيمَةِ الرَّهْنِ لَوْ) كَانَتْ قِيمَتُهُ (أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ وَطَالَبَ رَاهِنَهُ بِبَاقِيهِ) أَيْ بِبَاقِي الدَّيْنِ إذَا لَمْ يَقَعْ الِاسْتِيفَاءُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى قِيمَتِهِ.
(وَوَجَبَ لِلْمُعِيرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ مِثْلُ الدَّيْنِ) لَوْ صَارَ مُسْتَوْفِيًا دَيْنَهُ بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ كَالدِّينِ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ كُلَّهُ (أَوْ قَدْرَ الْقِيمَةِ) لَوْ صَارَ مُسْتَوْفِيًا قَدْرَ قِيمَةِ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ قَضَى ذَلِكَ الْقَدْرَ مِنْ دَيْنِهِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ قَدْ وَافَقَ فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا.
(وَلَوْ هَلَكَ عِنْدَ الْمُسْتَعِيرِ قَبْلَ الرَّهْنِ أَوْ بَعْدَ فَكِّهِ) عَنْ الرَّهْنِ (لَا يَضْمَنُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ قَاضِيًا دَيْنَهُ بِهِ وَهُوَ الْمُوجِبُ لِلضَّمَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (كَانَ قَدْ اُسْتُعْمِلَ مِنْ قَبْلُ) بِالِاسْتِخْدَامِ أَوْ بِالرُّكُوبِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَمِينٌ خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ فَلَا يَضْمَنُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ (وَلَوْ أَرَادَ الْمُعِيرُ افْتِكَاكَ الرَّهْنِ بِقَضَاءِ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ مِنْ عِنْدِهِ فَلَهُ ذَلِكَ) وَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ تَسْلِيمِ الرَّهْنِ بَلْ يَكُونُ مَجْبُورًا عَلَى الدَّفْعِ لِأَنَّ قَضَاءَهُ كَقَضَاءِ الرَّاهِنِ فِي اسْتِخْلَاصِ مِلْكِهِ (وَيَرْجِعُ) الْمُعِيرُ (بِمَا أَدَّى عَلَى الرَّاهِنِ) لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَبَرِّعٍ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ سَعَى فِي اسْتِخْلَاصِ مَالِهِ (وَلَوْ قَالَ الْمُسْتَعِيرُ هَلَكَ فِي يَدَيْ قَبْلَ الرَّهْنِ أَوْ بَعْدَ الْفِكَاكِ وَادَّعَى الْمُعِيرُ هَلَاكَهُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَعِيرِ) مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْإِيفَاءَ بِدَعْوَاهُ الْهَلَاكَ فِي هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالرَّهْنِ وَهُوَ يَدَّعِي سُقُوطَ الضَّمَانِ بِالِافْتِكَاكِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ كَالْغَاصِبِ يَدَّعِي رَدَّ الْمَغْصُوبِ قُلْنَا الرَّهْنُ وَإِنْ كَانَ إثْبَاتَ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ وَلَكِنَّ حَقِيقَةَ الْإِيفَاءِ بِالْهَلَاكِ فَإِذَا أَنْكَرَ الْهَلَاكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَقَدَ الْإِيفَاءَ حَقِيقَةً وَالضَّمَانُ يَنْشَأُ مِنْهُ وَكَانَ مُنْكِرًا لِلضَّمَانِ.
(وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ مَا أَمَرَهُ بِالرَّهْنِ بِهِ فَلِلْمُعِيرِ) أَيْ فَالْقَوْلُ لِلْمُعِيرِ لِأَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْ جِهَتِهِ وَلَوْ أَنْكَرَ أَصْلَهُ كَانَ الْقَوْلُ لَهُ فَكَذَا إذَا أَنْكَرَ وَصْفَهُ.
(وَجِنَايَةُ الرَّاهِنِ عَلَى الرَّهْنِ مَضْمُونَةٌ) لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ وَتَعَلُّقُ حَقِّ الْغَيْرِ بِالْمَالِ يَجْعَلُ الْمَالِكَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّ الضَّمَانِ أَلَا تَرَى أَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّ الْوَرَثَةِ بِمَالِ الْمَرِيضِ يَمْنَعُ نُفُوذَ تَصَرُّفِهِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَكَذَا الْوَرَثَةُ إذَا أَتْلَفُوا الْعَبْدَ الْمُوصَى بِخِدْمَتِهِ ضَمِنُوا قِيمَتَهُ لِيُشْتَرَى بِهِ عَبْدٌ يَقُومُ مَقَامَهُ.
(وَكَذَا جِنَايَةُ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ) مَضْمُونَةٌ (فَيَسْقُطُ مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِهَا) أَيْ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ عَيْنَ الرَّهْنِ مِلْكُ الْمَالِكِ وَقَدْ تَعَدَّى عَلَيْهِ الْمُرْتَهِنُ وَهُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ فَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ أَمَّا إذَا كَانَ قَدْرُ الْجِنَايَةِ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ يُضَمِّنُ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ مَا زَادَ عَلَى الدَّيْنِ لِأَنَّ الْكُلَّ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِالِاسْتِهْلَاكِ.
(وَجِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ إذَا كَانَتْ مُوجِبَةً لِلْمَالِ بِأَنْ كَانَتْ خَطَأً فِي النَّفْسِ أَوْ فِيمَا دُونَهَا وَأَمَّا مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَهُ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ (وَعَلَى مَا لَهُمَا هَدَرٌ) أَيْ بَاطِلٌ عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا فِي الْمُرْتَهِنِ) فَإِنَّ عِنْدَهُمَا جِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ مُعْتَبَرَةٌ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ أَمَّا الْوِفَاقِيَّةُ فَلِأَنَّهَا جِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ وَجِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ فِيمَا يُوجِبُ الْمَالَ هَدَرٌ بِالِاتِّفَاقِ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ وَأَمَّا الْخِلَافِيَّةُ فَلَهُمَا أَنَّ الْجِنَايَةَ حَصَلَتْ عَلَى غَيْرِ الْمَالِكِ وَفِي الِاعْتِبَارِ فَائِدَةٌ وَهُوَ دَفْعُ الْعَبْدِ إلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ فَتُعْتَبَرُ ثُمَّ إنْ شَاءَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ أَبْطَلَا الرَّهْنَ وَدَفَعَاهُ بِالْجِنَايَةِ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ لَا أَطْلُبُ الْجِنَايَةَ فَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ وَلَهُ أَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَوْ اعْتَبَرْنَاهَا لِلْمُرْتَهِنِ كَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ التَّطْهِيرُ مِنْ الْجِنَايَةِ حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ فَلَا يُفِيدُ وُجُوبَ الضَّمَانِ لَهُ مَعَ وُجُوبِ التَّخْلِيصِ عَلَيْهِ وَجِنَايَةٌ عَلَى مَالِ الْمُرْتَهِنِ لَا تُعْتَبَرُ بِالِاتِّفَاقِ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ وَالدَّيْنُ سَوَاءً لِأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي اعْتِبَارِهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَلَّكُ بِهَا الْعَبْدُ مَعَ أَنَّ التَّمَلُّكَ فَائِدَةٌ وَلَمْ يُوجَدْ وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ فَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِقَدْرِ الْأَمَانَةِ لِأَنَّ الْفَضْلَ لَيْسَ فِي ضَمَانِهِ فَأَشْبَهَ جِنَايَةَ الْعَبْدِ.
الْوَدِيعَةُ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ وَعَنْهُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ وَهُوَ الْحَبْسُ فِيهِ ثَابِتٌ فَصَارَ كَالْمَضْمُونِ وَهَذَا بِخِلَافِ جِنَايَةِ الرَّهْنِ عَلَى ابْنِ الرَّاهِنِ أَوْ عَلَى ابْنِ الْمُرْتَهِنِ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ حَقِيقَةً مُتَبَايِنَةٌ فَصَارَ كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَلَوْ رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفٍ مُؤَجَّلَةٍ فَصَارَتْ قِيمَتُهُ مِائَةً) بِأَنْ انْتَقَصَ سِعْرُهُ (فَقَتَلَهُ) أَيْ الْعَبْدَ (رَجُلٌ) خَطَأً (وَغَرِمَ مِائَةً وَحَلَّ الْأَجَلُ يَقْبِضُ الْمُرْتَهِنُ الْمِائَةَ قَضَاءً عَنْ حَقِّهِ) وَسَقَطَ بَاقِيهِ وَهُوَ تِسْعُمِائَةٍ (وَلَا يَرْجِعُ عَلَى رَاهِنِهِ بِشَيْءٍ) لِأَنَّ النُّقْصَانَ مِنْ حَيْثُ السِّعْرُ لَا يُوجِبُ السُّقُوطَ عِنْدَنَا لِأَنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ عِبَارَةٌ عَنْ فُتُورِ رَغَبَاتِ النَّاسِ فِيهِ وَذَا غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَأَمَّا نُقْصَانُ الْعَيْنِ فَيَتَقَرَّرُ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْهُ فَيَسْقُطُ الدَّيْنُ فِي انْتِقَاصِهَا لَا فِي انْتِقَاصِ الْمَالِيَّةِ مِنْ جِهَةِ السِّعْرِ وَلَمَّا كَانَ الدَّيْنُ بَاقِيًا وَيَدُ الرَّهْنِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا الْكُلَّ مِنْ الِابْتِدَاءِ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّ الْمَالِيَّةَ انْتَقَصَتْ فَأَشْبَهَ انْتِقَاصَ الْعَيْنِ.
(وَإِنْ بَاعَهُ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ وَهُوَ الْعَبْدُ الَّذِي يُسَاوِي أَلْفًا وَكَانَ رَهْنًا بِأَلْفٍ (بِالْمِائَةِ بِأَمْرِ رَاهِنِهِ) قَبَضَ الْمِائَةَ قَضَاءً لِحَقِّهِ، وَ (رَجَعَ) الْمُرْتَهِنُ بَعْدَ قَبْضِ الْمِائَةِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الرَّاهِنِ (بِالْبَاقِي) أَيْ بِبَاقِي الدَّيْنِ هُوَ تِسْعُمِائَةٍ.
وَفِي الْكَافِي وَأَمَّا الْفَصْلُ الرَّابِعُ وَهُوَ مَا إذَا بَاعَهُ بِمِائَةٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ سِعْرَهُ تَرَاجَعَ إلَى مِائَةٍ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ بَاعَهُ بِمِثْلِ قِيمَتِهِ فَصَحَّ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ مَوْضُوعُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَمْ يَنْتَقِصْ فَصَحَّ الْبَيْعُ أَيْضًا عِنْدَ الْإِمَامِ وَصَحَّ عِنْدَهُمَا إنْ كَانَ قَالَ بِعْ بِمَا شِئْت وَإِذَا صَحَّ الْبَيْعُ صَارَ الْمُرْتَهِنُ وَكِيلَ الرَّاهِنِ بِمَا بَاعَهُ بِإِذْنِهِ وَصَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ اسْتَرَدَّهُ وَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ وَلَوْ كَانَ كَذَلِكَ يَبْطُلُ الرَّهْنُ وَيَبْقَى الدَّيْنُ إلَّا بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى كَذَا هَذَا (وَإِنْ قَتَلَهُ) أَيْ الْعَبْدَ الرَّهْنَ الَّذِي يُسَاوِي أَلْفًا قَبْلَ نُزُولِ السِّعْرِ إلَى مِائَةٍ أَوْ بَعْدَ النُّزُولِ (عَبْدٌ) هُوَ (يَعْدِلُ مِائَةً فَدُفِعَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (بِهِ) أَيْ دُفِعَ الْعَبْدُ الْجَانِي مَقَامَ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ بِسَبَبِ قَتْلِهِ (افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ بِكُلِّ الدَّيْنِ) وَهُوَ الْأَلْفُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ لَمْ يَظْهَرْ فِي نَفْسِ الْعَبْدِ إذَا الْعَبْدُ الثَّانِي قَامَ مَقَامَ الْأَوَّلِ مِنْ حَيْثُ أَنَّهُ دَمٌ وَلَحْمٌ فَكَأَنَّهُ تَرَاجَعَ سِعْرُهُ إلَى مِائَةٍ فَلَوْ كَانَ الْأَوَّلُ قَائِمًا وَتَرَاجَعَ سِعْرُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ فَكَذَلِكَ هُنَا (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) هُوَ بِالْخِيَارِ (إنْ شَاءَ دَفَعَهُ) أَيْ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ (إلَى الْمُرْتَهِنِ) بِدَيْنِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ.
(وَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِالدَّيْنِ) لِأَنَّهُ تَغَرَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ فَأَوْجَبَ التَّخْيِيرَ.
وَقَالَ زُفَرُ يَصِيرُ رَهْنًا بِمِائَةٍ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ وَقَدْ تَقَرَّرَ بِالْهَلَاكِ إلَّا أَنَّهُ أَخْلَفَ بَدَلًا بِقَدْرِ الْعَشَرَةِ فَيَبْقَى الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ.
(وَإِنْ جَنَى) الْعَبْدُ (الرَّهْنُ خَطَأً فَدَاهُ الْمُرْتَهِنُ) لِأَنَّ ضَمَانَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَالْعَبْدُ كُلُّهُ فِي ضَمَانِهِ وَدَيْنُهُ مُسْتَغْرِقٌ لِرَقَبَتِهِ وَعَلَى تَقْدِيرِ الْفِدَاءِ يَبْقَى الدَّيْنُ وَالْعَبْدُ رَهْنًا فَلَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الدَّفْعِ إلَى وَلِيِّ الْقَتْلِ إذْ الدَّفْعُ لِلْمَالِكِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالِكٍ (وَلَا يَرْجِعُ) الْمُرْتَهِنُ.
عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ مِنْ الْفِدَاءِ لِأَنَّ الْعَبْدَ كُلَّهُ مَضْمُونٌ وَجِنَايَةُ الْمَضْمُونِ كَجِنَايَةِ الضَّامِنِ فَلَوْ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ رَجَعَ الرَّاهِنُ عَلَيْهِ وَلَا يُفِيدُ (فَإِنْ أَبَى) أَيْ امْتَنَعَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الْفِدَاءِ (دَفَعَهُ الرَّهْنَ) إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ (أَوْ فَدَاهُ) أَيْ يُقَالُ لِلرَّاهِنِ افْعَلْ وَاحِدًا مِنْ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ إنْ شَاءَ يَدْفَعُهُ وَإِنْ شَاءَ يَفْدِي عَنْهُ (وَسَقَطَ الدَّيْنُ) تَامًّا بِفِعْلِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الرَّاهِنِ إنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ أَوْ مُسَاوِيًا وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَكْثَرَ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ مِقْدَارُ قِيمَةِ الْعَبْدِ وَلَا يَسْقُطُ الْبَاقِي كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا لَوْ قَيَّدَهُ كَمَا قَيَّدْنَاهُ لَكَانَ أَوْلَى تَدَبَّرْ وَفِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ إذَا وَلَدَتْ الْمَرْهُونَةُ وَلَدًا فَقَتَلَ إنْسَانًا خَطَأً أَوْ اسْتَهْلَكَ مَالَ إنْسَانٍ فَلَا ضَمَان عَلَى الْمُرْتَهِنِ بَلْ يُخَاطَبُ الرَّاهِنُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ فِي الِابْتِدَاءِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ دَفَعَ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ وَلَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا لَوْ هَلَكَ فِي الِابْتِدَاءِ وَإِنْ فَدَى فَهُوَ رَهْنٌ مَعَ أُمِّهِ عَلَى حَالِهِمَا وَلَوْ اسْتَهْلَكَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ مَالًا يَسْتَغْرِقُ رَقَبَتَهُ فَإِنْ ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ الدَّيْنَ الَّذِي لَزِمَ الْعَبْدَ فَدَيْنُهُ عَلَى حَالِهِ كَمَا فِي الْفِدَاءِ وَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلرَّاهِنِ بِعْهُ فِي الدَّيْنِ إلَّا أَنْ يَخْتَارَ أَنْ يُؤَدِّيَ عَنْهُ فَإِنْ أَدَّى بَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْفِدَاءِ وَإِنْ لَمْ يُؤَدِّ وَبِيعَ الْعَبْدُ فِي الدَّيْنِ يَأْخُذُ صَاحِبُ دَيْنِ الْعَبْدِ دَيْنَهُ وَتَمَامُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي فَلْيُطَالِعْهُمَا وَفِي الْمِنَحِ لَوْ رَهَنَ حَيَوَانًا مِنْ غَيْرِ بَنِي آدَمَ فَجَنَى الْبَعْضُ عَلَى الْبَعْضِ كَانَ هَدَرًا وَيَصِيرُ كَأَنَّهُ هَلَكَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ وَلَوْ رَهَنَ عَبْدَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُسَاوِي أَلْفًا بِأَلْفَيْنِ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَوْ جَنَى أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ قَلَّ الْأَرْشُ أَوْ كَثُرَ لَا تُعْتَبَرُ الْجِنَايَةُ وَيَسْقُطُ دَيْنُ الْمَجْنِيِّ عَنْهُ بِقَدْرِهِ وَلَوْ كَانَا جَمِيعًا رَهْنًا بِأَلْفٍ فَقَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ فَلَا دَفْعَ وَلَا فِدَاءَ وَيَبْقَى الْقَاتِلُ رَهْنًا بِسَبْعِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ وَلَوْ رَهَنَ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً فَجِنَايَةُ الدَّابَّةِ عَلَى الْعَبْدِ هَدَرٌ وَجِنَايَةُ الْعَبْدِ عَلَى الدَّابَّةِ مُعْتَبَرَةٌ حَسْبَ جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى عَبْدٍ آخَرَ.
(وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ بَاعَ وَصِيُّهُ الرَّهْنَ وَقَضَى الدَّيْنَ) لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَهُ (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ نَصَبَ الْقَاضِي لَهُ وَصِيًّا وَأَمَرَهُ) أَيْ الْوَصِيُّ (بِذَلِكَ) أَيْ بِالْبَيْعِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِّبَ نَاظِرًا لِحُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ إذَا عَجَزُوا عَنْ النَّظَرِ لِأَنْفُسِهِمْ وَقَدْ تَعَيَّنَ النَّظَرُ فِي نَصْبِ الْوَصِيِّ لِيُؤَدِّيَ مَا عَلَيْهِ لِغَيْرِهِ وَيَسْتَوْفِي حُقُوقَهُ مِنْ غَيْرِهِ وَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْمَيِّتِ فَرَهَنَ الْوَصِيُّ بَعْضَ التَّرِكَةِ عِنْدَ غَرِيمٍ لَهُ مِنْ غُرَمَائِهِ لَمْ يَجُزْ وَلِلْآخَرَيْنِ أَنْ يَرُدُّوهُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ غَرِيمٌ آخَرُ جَازَ الرَّهْنُ.

.فَصَلِّ: مَسَائِلِ مُتَفَرِّقَةِ في الرهن:

هَذَا الْفَصْلُ كَالْمَسَائِلِ الْمُتَفَرِّقَةِ الَّتِي تُذْكَرُ فِي أَوَاخِرِ الْكُتُبِ (رَهَنَ) رَجُلٌ (عَصِيرًا) أَيْ عَصِيرَ عِنَبٍ عِنْدَ رَجُلٍ (قِيمَتُهُ عَشَرَةُ) دَرَاهِمَ (بِعَشَرَةِ) دَرَاهِمَ فَتَخَمَّرَ الْعَصِيرُ أَيْ صَارَ خَمْرًا (ثُمَّ تَخَلَّلَ) أَيْ صَارَ خَلًّا (وَهُوَ) أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهُ (يُسَاوِيهَا) أَيْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ (فَهُوَ) أَيْ الْعَصِيرُ الْمَذْكُورُ الَّذِي صَارَ خَلًّا بَعْدَ أَنْ صَارَ خَمْرًا (رُهِنَ بِهَا) أَيْ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ لَمْ يَبْطُلْ بِالْخَمْرِ لِأَنَّ مَا صَلُحَ مَحِلًّا لِلْبَيْعِ صَلُحَ مَحِلًّا لِلرَّهْنِ لِأَنَّ الْمَحَلِّيَّةَ إنَّمَا تَكُونُ بِالْمَالِيَّةِ فِيهِمَا وَالْخَمْرُ لَا يَصْلُحُ مَحِلًّا لِابْتِدَاءِ الْبَيْعِ وَيَصْلُحُ لِبَقَائِهِ فَإِنَّ مَنْ بَاعَ عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ فِي يَدِ الْبَائِعِ بَقِيَ الْبَيْعُ إلَّا أَنَّهُ يُخَيَّرُ فِي الْبَيْعِ لِتَغَيُّرِ وَصْفِ الْمَبِيعِ كَمَا لَوْ تَعَيَّبَ فَإِذَا صَارَ خَلًّا فَقَدْ زَالَ الْعَرَضُ قَبْلَ تَقَرُّرِ حُكْمِهِ فَجُعِلَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ.
(وَإِنْ رَهَنْت شَاةً قِيمَتُهَا عَشَرَةٌ فَمَاتَتْ فَدُبِغَ جِلْدُهَا وَهُوَ يُسَاوِي دِرْهَمًا فَهُوَ رَهْنٌ بِهِ) أَيْ بِدِرْهَمٍ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَتَقَرَّرُ بِالْهَلَاكِ فَإِذَا بَقِيَ بَعْضُ الْمَحِلِّ يَعُودُ الْحُكْمُ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَتْ الشَّاةُ الْمَبِيعَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَدُبِغَ جِلْدُهَا حَيْثُ لَا يَعُودُ الْبَيْعُ بِقَدْرِهِ عَلَى مَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَإِنْ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ يَعُودُ الْبَيْعُ هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْجِلْدِ يَوْمَ الرَّهْنِ دِرْهَمًا وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ يَوْمَئِذٍ دِرْهَمَيْنِ كَانَ الْجِلْدُ رَهْنًا بِدِرْهَمَيْنِ وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ اشْتَرَى خَلًّا بِدِرْهَمٍ أَوْ شَاةً عَلَى أَنَّهَا مَذْبُوحَةٌ بِدِرْهَمٍ رَهَنَ بِهِ شَيْئًا هَلَكَ الرَّهْنُ فَظَهَرَ أَنَّ الْخَلَّ خَمْرٌ وَالشَّاةُ مَيْتَةٌ يَهْلِكُ مَضْمُونًا بِخِلَافِ مَاذَا اشْتَرَى خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا أَوْ مَيْتَةً أَوْ حُرًّا وَرَهَنَ بِالثَّمَنِ شَيْئًا وَهَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ وَإِنْ انْتَقَصَ الرَّهْنُ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ قَدْرًا أَوْ وَصْفًا يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ النُّقْصَانِ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ عَلَى مَا عُرِفَ فَلَوْ رَهَنَ فَرْوًا قِيمَتُهُ أَرْبَعُونَ بِعَشَرَةٍ فَأَفْسَدَهُ السُّوسُ حَتَّى صَارَتْ قِيمَتُهُ عَشَرَةً يَفْتَكُّهُ الرَّاهِنُ بِدِرْهَمَيْنِ وَنِصْفٍ وَيَسْقُطُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الدَّيْنِ لِأَنَّ كُلَّ رُبْعٍ مِنْ الْفَرْوِ مَرْهُونٌ بِرُبْعِ الدَّيْنِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ الْفَرْوِ رُبْعُهُ فَيَبْقَى مِنْ الدَّيْنِ أَيْضًا رُبْعُهُ.
(وَنَمَاءُ الرَّهْنِ كَوَلَدِهِ وَلَبَنِهِ وَصُوفِهِ وَثَمَرِهِ لِلرَّاهِنِ) لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ مِلْكِهِ فَلَا يَدْخُلُ الْكَسْبُ وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ فِي الرَّهْنِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ فَيَأْخُذُ الرَّاهِنُ فِي الْحَالِ (وَيَكُونُ رَهْنًا مَعَ الْأَصْلِ) لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ وَالرَّهْنُ حَقٌّ مُتَأَكِّدٌ لَازِمٌ فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّاهِنَ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِخِلَافِ وَلَدِ الْجَارِيَةِ الْجَانِيَةِ حَيْثُ لَا يَسْرِي حُكْمُ الْجِنَايَةِ إلَى الْوَلَدِ وَلَا يَتْبَعُ أُمَّهُ فِيهِ (فَإِنْ هَلَكَ) النَّمَاءُ (هَلَكَ بِلَا شَيْءٍ) لِعَدَمِ دُخُولِهِ تَحْتَ الْعَقْدِ مَقْصُودًا.
(وَإِنْ بَقِيَ) النَّمَاءُ (وَهَلَكَ الْأَصْلُ يَفْتَكُّ) الرَّاهِنُ (بِحِصَّتِهِ مِنْ الدَّيْنِ وَيُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَبْضِ وَقِيمَةِ النَّمَاءِ يَوْمَ الْفِكَاكِ) لِأَنَّ الرَّهْنَ يَصِيرُ مَضْمُونًا بِالْقَبْضِ وَالزِّيَادَةُ تَصِيرُ مَقْصُودَةً بِالْفِكَاكِ إذَا بَقِيَ إلَى وَقْتِهِ وَالتَّبَعُ يُقَابِلُهُ شَيْءٌ إذَا صَارَ مَقْصُودًا كَوَلَدِ الْمَبِيعِ (فَمَا أَصَابَ الْأَصْلَ سَقَطَ) مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ يُقَابِلُهُ الْأَصْلُ مَقْصُودًا (وَمَا أَصَابَ النَّمَاءَ افْتَكَّ بِهِ) صُورَتُهُ رَجُلٌ رَهَنَ شَاةً بِتِسْعَةِ دَرَاهِمَ وَقِيمَتُهَا عَشَرَةٌ يَوْمَ الْقَبْضِ ثُمَّ وَلَدَتْ وَلَدًا قِيمَتُهُ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ يَوْمَ الْفَكِّ فَصَارَتْ قِيمَتُهُمَا خَمْسَةَ عَشَرَةَ وَالدَّيْنُ يُقْسَمُ عَلَى قِيمَتِهِمَا أَثْلَاثًا يُصِيبُ ثُلُثَا الدَّيْنِ لِلْأُمِّ وَهُوَ سِتَّةٌ فَتَسْقُطُ وَيُصِيبُ ثُلُثَهُ لِلْوَلَدِ وَهُوَ ثَلَاثَةٌ لِأَنَّ قِيمَتَهُمَا أَثْلَاثٌ فَيَلْزَمُ الرَّاهِنَ أَنْ يَدْفَعَ الثُّلُثَ ثُمَّ يَأْخُذَ الْوَلَدَ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ أَذِنَ الرَّاهِنُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي أَكْلِ زَوَائِدِ الرَّهْنِ فَأَكَلَهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ وَإِنْ لَمْ يَفْتَكَّ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ حَتَّى هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ قُسِمَ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَةِ الزِّيَادَةِ الَّتِي أَكَلَهَا الْمُرْتَهِنُ وَعَلَى قِيمَةِ الْأَصْلِ فَمَا أَصَابَ الْأَصْلَ سَقَطَ وَمَا أَصَابَ الزِّيَادَةَ أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ كَمَا مَرَّ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ رَهَنَ جَارِيَةً فَأَرْضَعَتْ صَبِيَّا الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ دَيْنِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ رَهَنَ شَاةً فَشَرِبَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ لَبَنِهَا فَإِنَّهُ مَحْسُوبٌ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ.
(وَتَصِحُّ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ) مِثْلُ أَنْ يَرْهَنَ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ يُسَاوِي عَشَرَةً ثُمَّ زَادَ الرَّاهِنُ ثَوْبًا آخَرَ فَيَكُونُ مَعَ الْأَوَّلِ رَهْنًا بِالْعَشَرَةِ (وَلَا تَصِحُّ) الزِّيَادَةُ (فِي الدَّيْنِ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الرَّاهِنُ أَقْرِضْنِي خَمْسَمِائَةٍ أُخْرَى عَلَى أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ الَّذِي عِنْدَك رَهْنًا بِأَلْفٍ (فَلَا يَكُونُ الرَّهْنُ رَهْنًا بِهَا) أَيْ بِالزِّيَادَةِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدَّيْنِ تَرْكُ الِاسْتِيثَاقِ وَهُوَ يَكُونُ مُنَافِيًا لِعَقْدِ الرَّهْنِ وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدَّيْنِ تُوجِبُ الشُّيُوعَ فِي الرَّهْنِ وَهُوَ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَا يَصِيرُ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ رَهْنًا بِالدَّيْنِ الْحَادِثِ بَلْ يَصِيرُ كُلُّ الرَّهْنِ بِمُقَابَلَةِ الدَّيْنِ السَّابِقِ فَإِنْ هَلَكَ الْعَبْدُ يَسْقُطُ الدَّيْنُ الْأَوَّلُ وَيَبْقَى الدَّيْنُ الثَّانِي بِلَا رَهْنٍ (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ عِنْدَهُ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ فَيَسْقُطُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ الرَّهْنِ الدَّيْنَانِ قِيَاسًا عَلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ وَلِأَنَّ الدَّيْنَ فِي بَابِ الرَّهْنِ كَالثَّمَنِ فِي الْبَيْعِ وَالرَّهْنُ كَالثَّمَنِ فَتَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِيهِمَا كَمَا فِي الْبَيْعِ.
وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ وَلَا فِي الدَّيْنِ لِعَدَمِ جَوَازِهَا فِي الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ ثُمَّ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِمْ أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدَّيْنِ لَا تَصِحُّ أَنْ لَا يَكُونَ رَهْنًا بِالزِّيَادَةِ كَمَا أَنَّهُ رَهْنٌ بِأَصْلِ الدَّيْنِ وَأَمَّا نَفْسُ زِيَادَةِ الدَّيْنِ عَلَى الدَّيْنِ فَصَحِيحَةٌ لِأَنَّ الِاسْتِدَانَةَ بَعْدَ الِاسْتِدَانَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الدَّيْنِ الْأَوَّلِ جَائِزٌ إجْمَاعًا.
(وَإِنْ رَهَنَ عَبْدًا يَعْدِلُ أَلْفًا بِأَلْفٍ فَدَفَعَ مَكَانَهُ عَبْدًا يَعْدِلُهَا) أَيْ الْأَلْفَ (فَالْأَوَّلُ رَهْنٌ) فَمَاتَ قَبْلَ الرَّدِّ يَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ فَالْعَبْدُ الْأَوَّلُ رَهْنٌ كَمَا كَانَ (حَتَّى يَرُدَّ) الْمُرْتَهِنُ (إلَى رَاهِنِهِ وَالْمُرْتَهِنُ أَمِينٌ فِي) الْعَبْدِ (الثَّانِي حَتَّى يَجْعَلَهُ مَكَانَ الْأَوَّلِ بِرَدِّ الْأَوَّلِ) عَلَى الرَّاهِنِ فَحِينَئِذٍ يَصِيرُ الثَّانِي مَضْمُونًا لِأَنَّ الْأَوَّلَ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ وَالدَّيْنُ وَهُمَا بَاقِيَانِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ الضَّمَانِ إلَّا بِنَقْضِ الْقَبْضِ مَا دَامَ الدَّيْنُ بَاقِيًا وَإِذَا بَقِيَ الْأَوَّلُ فِي ضَمَانِهِ لَا يَدْخُلُ الثَّانِي فِي ضَمَانِهِ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِدُخُولِ أَحَدِهِمَا فِيهِ لَا بِدُخُولِهِمَا فَإِذَا رَدَّ الْأَوَّلُ دَخَلَ الثَّانِي فِي ضَمَانِهِ ثُمَّ قِيلَ يُشْتَرَطُ تَجْدِيدُ الْقَبْضِ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا لَكِنْ فِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ رَهَنَ عِنْدَ إنْسَانٍ عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ جَاءَ الرَّاهِنُ بِجَارِيَةٍ وَقَالَ خُذْهَا مَكَانَ الْعَبْدِ يَصِحُّ ذَلِكَ إذَا قَبَضَ انْتَهَى يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ إذَا قَبَضَ الرَّهْنَ الثَّانِيَ خَرَجَ الْأَوَّلُ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا رَدَّ الْأَوَّلَ عَلَى الرَّاهِنِ أَوْ لَمْ يَرُدَّ.
(وَلَوْ أَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ عَنْ الدَّيْنِ أَوْ وَهَبَهُ) أَيْ الدَّيْنَ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الرَّاهِنِ (فَهَلَكَ الرَّهْنُ) فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ (هَلَكَ بِلَا شَيْءٍ) اسْتِحْسَانًا.
وَقَالَ زُفَرُ يَضْمَنُ قِيمَةَ الرَّهْنِ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْقَبْضَ وَقَعَ مَضْمُونًا فَيَبْقَى الضَّمَانُ مَا بَقِيَ الْقَبْضُ وَلَنَا أَنَّ ضَمَانَ الرَّهْنِ بِاعْتِبَارِ الْقَبْضِ وَالدَّيْنِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ اسْتِيفَاءٍ وَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الدَّيْنِ وَبِالْإِبْرَاءِ لَمْ يَبْقَ أَحَدُهُمَا وَهُوَ الدَّيْنُ وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ بِعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ يَزُولُ بِزَوَالِ أَحَدِهِمَا وَلِهَذَا لَوْ رَدَّ الرَّهْنَ يَسْقُطُ الضَّمَانُ لِعَدَمِ الْقَبْضِ وَلَوْ بَقِيَ الدَّيْنُ وَكَذَا إذَا أَبْرَأهُ عَنْ الدَّيْنِ يَسْقُطُ الضَّمَانُ لِعَدَمِ الدَّيْنِ وَإِنْ بَقِيَ الْقَبْضُ فَأَمَّا إذَا أَحْدَثَ الْمُرْتَهِنُ بَعْدَ الْبَرَاءَةِ مَنْعًا ثُمَّ تَلِفَ فِي يَدِهِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لِأَنَّ حَقَّ الْمَنْعِ لَمْ يَبْقَ فَصَارَ فِيمَا يَمْنَعُ غَاصِبًا فَيَضْمَنُ الْقِيمَةَ وَكَذَا لَوْ ارْتَهَنَتْ الْمَرْأَةُ رَهْنًا بِالصَّدَاقِ وَأَبْرَأَتْهُ أَوْ وَهَبْته أَوْ ارْتَدَّتْ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ عَلَى صَدَاقِهَا ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِهَا يَهْلِكُ بِغَيْرِ شَيْءٍ فِي هَذَا كُلِّهِ وَلَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا لِسُقُوطِ الدَّيْنِ كَمَا فِي الْإِبْرَاءِ.
(وَلَوْ قَبَضَ) الْمُرْتَهِنُ (دَيْنَهُ أَوْ بَعْضَهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الرَّاهِنِ (أَوْ مِنْ غَيْرِهِ) كَالْمُتَطَوِّعِ (أَوْ شَرَى بِهِ) أَيْ بِالدَّيْنِ (عَيْنًا) مِنْهُ (أَوْ صَالَحَ عَنْهُ) أَيْ عَنْ الدَّيْنِ (عَلَى شَيْءٍ أَوْ احْتَالَ بِهِ) أَيْ أَحَالَ الرَّاهِنُ مُرْتَهِنَهُ بِدَيْنِهِ (عَلَى آخَرَ ثُمَّ هَلَكَ) الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ (قَبْلَ رَدِّهِ) أَيْ إلَى الرَّاهِنِ (هَلَكَ بِالدِّينِ) لِأَنَّ نَفْسَ الدَّيْنِ بِالِاسْتِيفَاءِ وَنَحْوِهِ لِمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ أَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَنْفُسِهَا لَكِنَّ الِاسْتِيفَاءَ يَتَعَذَّرُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ لَا يُعْقِبُ مُطَالَبَةَ مِثْلِهِ فَيَقْضِي إلَى الدُّورِ فَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ تَقَرَّرَ الِاسْتِيفَاءُ الْأَوَّلُ فَانْتَقَضَ الِاسْتِيفَاءُ الثَّانِي لِئَلَّا يَتَكَرَّرُ الِاسْتِيفَاءُ (وَيَرُدُّ مَا قَبَضَ إلَى مَنْ قَبَضَ مِنْهُ) هَذَا فِي صُورَةِ إيفَاءِ الرَّاهِنِ أَوْ الْمُتَطَوِّعِ أَوْ الشِّرَاعِ أَوْ الصُّلْحِ.
(وَتَبْطُلُ الْحَوَالَةُ) وَيَهْلِكُ الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ إذْ بِالْحَوَالَةِ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ وَلَكِنَّ ذِمَّةَ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ تَقُومُ مَقَامَ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ وَلِذَا يَعُودُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إذَا مَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا.
(وَكَذَا) أَيْ كَمَا يَهْلِكُ الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ يَهْلِكُ بِهِ أَيْضًا (لَوْ تَصَادَقَا عَلَى عَدَمِ الدَّيْنِ ثُمَّ هَلَكَ) الرَّهْنُ (هَلَكَ بِالدَّيْنِ) لِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ أَوْ بِجِهَتِهِ عِنْدَ تَوَهُّمِ الْوُجُودِ كَمَا فِي الدَّيْنِ الْمَوْجُودِ وَقَدْ بَقِيَتْ الْجِهَةُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَصَادَقَا عَلَى قِيَامِ الدَّيْنِ بَعْدَ تَصَادُقِهِمَا عَلَى عَدَمِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ يُسْقِطُ الدَّيْنَ أَصْلًا وَبِالِاسْتِيفَاءِ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ بَلْ يَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَيَتَعَذَّرُ الِاسْتِيفَاءُ لِمَا مَرَّ مِنْ عَدَمِ الْفَائِدَةِ.
وَفِي الْكَافِي إذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ بَقِيَ ضَمَانُ الرَّهْنِ إذَا كَانَ تَصَادُقُهُمَا بَعْدَ هَلَاكِ الرَّهْنِ لِأَنَّ الدَّيْنَ كَانَ وَاجِبًا ظَاهِرًا حِينَ هَلَكَ الرَّهْنُ وَوُجُوبُ الدَّيْنِ ظَاهِرًا يَكْفِي بِضَمَانِ الرَّهْنِ فَصَارَ مُسْتَوْفِيًا فَأَمَّا إذَا تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ وَالرَّهْنُ قَائِمٌ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ فَإِنَّ هُنَاكَ يَهْلِكُ أَمَانَةً لِأَنَّ بِتَصَادُقِهِمَا يَنْتَفِي الدَّيْنُ مِنْ الْأَصْلِ فَضَمَانُ الرَّهْنِ لَا يَبْقَى بِدُونِ الدَّيْنِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّهُمَا إذَا تَصَادَقَا قَبْلَ الْهَلَاكِ ثُمَّ هَلَكَ الرَّهْنُ اخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِيهِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَهْلِكُ مَضْمُونًا.
وَفِي التَّنْوِيرِ كُلُّ حُكْمٍ عُرِفَ فِي الرَّهْنِ الصَّحِيحِ فَهُوَ الْحُكْمُ فِي الرَّهْنِ الْفَاسِدِ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَانَ الرَّهْنُ مَالًا وَلِلْقَابِلِ بِهِ مَضْمُونًا إلَّا أَنَّهُ فَقَدَ بَعْضَ شَرَائِطِ الْجَوَازِ يَنْعَقِدُ الرَّهْنُ بِصِفَةِ الْفَسَادِ وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَنْعَقِدُ الرَّهْنُ أَصْلًا فَإِذَا هَلَكَ هَلَكَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ فَلْيُطَالَعْ.

.كِتَاب الْجِنَايَات:

أَوْرَدَ الْجِنَايَاتِ عَقِيبَ الرَّهْنِ لِأَنَّ الرَّهْنَ لِصِيَانَةِ الْمَالِ وَحُكْمُ الْجِنَايَةِ لِصِيَانَةِ الْأَنْفُسِ وَلَمَّا كَانَ الْمَالُ وَسِيلَةً لِبَقَاءِ النَّفْسِ قُدِّمَ الرَّهْنُ عَلَى الْجِنَايَاتِ لِأَنَّ الْوَسَائِلَ تُقَدَّمُ عَلَى الْمَقَاصِدِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الشُّرُوحِ.
وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَكِنْ قُدِّمَ الرَّهْنُ لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ فَإِنَّهَا مَحْظُورَةٌ عَمَّا لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ فِعْلُهُ انْتَهَى وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْبَيَانِ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ إنَّمَا هُوَ أَحْكَامُ الْجِنَايَاتِ دُونَ أَنْفُسِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّ أَحْكَامَهَا مَشْرُوعَةٌ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَا وَجْهَ لِتَأْخِيرِهَا مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ كُلًّا مِنْ الرَّهْنِ وَالْجِنَايَةِ مِنْ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ وَيُبْحَثُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا عَمَّا يَتَعَلَّقُ بِفِعْلِ الْمُكَلَّفِ مِنْ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ الرَّهْنِ وَحَظْرِ الْجِنَايَةِ وَيَكْفِي هُنَا هَذَا الْقَدْرُ فِي تَقْدِيمِهِ عَلَيْهَا كَمَا لَا يَخْفَى وَالْجِنَايَةُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يَجْنِيهِ أَيْ يَكْسِبَهُ الْمَرْءُ مِنْ شَرٍّ تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ مِنْ جَنَى عَلَيْهِ جِنَايَةً ثُمَّ خُصَّ فِي الْعُرْفِ بِمَا يَحْرُمُ مِنْ الْفِعْلِ سَوَاءٌ كَانَ فِي نَفْسٍ أَوْ مَالٍ وَفِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ بِمَا حُرِّمَ فِعْلُهُ فِي نَفْسٍ أَوْ طَرَفٍ الْأَوَّلُ يُسَمَّى قَتْلًا وَأَنْوَاعُهُ خَمْسَةٌ عَمْدٌ وَشِبْهُ عَمْدٍ وَخَطَأٌ وَجَارٍ مَجْرَى الْخَطَأِ وَالْقَتْلُ بِسَبَبٍ كَمَا سَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ وَالثَّانِي يُسَمَّى جِنَايَةً فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَشُرِعَ الْقِصَاصُ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْحَيَاةِ شَرْعًا كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ قَوْلِ الْعَرَبِ الْقَتْلُ أَنَفَى لِلْقَتْلِ بَلَاغَةٌ وَفَصَاحَةٌ مُبَيَّنٌ فِي كُتُبِ الْبَيَانِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْقَتْلِ فَقَالَ (الْقَتْلُ إمَّا عَمْدٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ) احْتِرَازٌ عَنْ نَحْوِ قَتْلِ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَالْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ (وَهُوَ أَنْ يَقْصِدَ ضَرْبَهُ) أَيْ ضَرْبَ الْقَاتِلِ الْمُكَلَّفِ مَا يَحْرُمُ ضَرْبُهُ كَمَا هُوَ الْمُتَبَادِرُ (بِمَا. يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ مِنْ سِلَاحٍ) أُعِدَّ لِلْحَرْبِ (أَوْ مُحَدَّدٍ مِنْ حَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ لِيطَةٍ أَوْ حُرْقَةٍ بِنَارٍ) أَقُولُ إنَّمَا شَرَطَ فِي الْآلَةِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّ الْعَمْدَ هُوَ الْقَصْدُ وَهُوَ مِنْ أَعْمَالِ الْقَلْبِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلِهِ وَهُوَ اسْتِعْمَالُ مَا ذُكِرَ مِنْ الْآلَاتِ فَأُقِيمَ الدَّلِيلُ مَقَامَ الْمَدْلُولِ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ (بِمَا يَقْتُلُ غَالِبًا) حَتَّى لَوْ ضَرَبَهُ بِحَجَرٍ عَظِيمٍ أَوْ خَشَبَةٍ عَظِيمَةٍ فَهُوَ عَمْدٌ وَقَوْلُهُ أَوْ لِيطَةٍ بِكَسْرِ اللَّامِ قِشْرُ الْقَصَبِ وَالْإِحْرَاقُ بِالنَّارِ مِنْ الْقَتْلِ الْعَمْدِ الْمُوجِبِ لِلْقِصَاصِ لِأَنَّ النَّارَ مِنْ الْمُفَرِّقَاتِ لِلْأَجْزَاءِ كَمَا فِي الْإِتْقَانِ.
وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهَا تَعْمَلُ عَمَلَ الْحَدِيدِ حَتَّى أَنَّهَا أَيْ النَّارَ إذَا وُضِعَتْ فِي الْمَذْبَحِ فَقَطَعَتْ مَا يَجِبُ قَطْعُهُ فِي الذَّكَاةِ وَسَالَ بِهَا الدَّمُ حَلَّ وَإِنْ انْجَمَدَ وَلَمْ يَسِلْ الدَّمُ لَا يَحِلُّ انْتَهَى.
وَفِي الْخَانِيَّةِ أَنَّ الْجُرْحَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْحَدِيدِ وَمَا يُشْبِهُهُ كَالنُّحَاسِ وَغَيْرِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ انْتَهَى.
وَفِي الْخُلَاصَةِ رَجُلٌ ضَرَبَ رَجُلًا بِمَرٍّ فَقَتَلَهُ فَإِنْ أَصَابَتْهُ الْحَدِيدَةُ قُتِلَ بِهِ عِنْدَ الْكُلِّ وَإِنْ أَصَابَهُ بِظَهْرِهِ وَلَمْ يَجْرَحْهُ فَعِنْدَهُمَا لَا شَكَّ أَنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ وَكَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يُعْتَبَرُ الْجُرْحُ سَوَاءٌ كَانَ حَدِيدًا أَوْ عُودًا أَوْ حَجَرًا بَعْدَ أَنْ يَكُونَ آلَةً يُقْصَدُ بِهَا الْجُرْحُ.
وَقَالَ صَدْرُ الشَّهِيدِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَهُ الْجُرْحُ وَكَذَا سَنَجَاتُ الْمِيزَانِ مِنْ الْحَدِيدِ.
وَقَالَ رَجُلٌ أَحْمَى تَنُّورًا وَرَمَى فِيهِ إنْسَانًا أَوْ أَلْقَاهُ فِي نَارٍ لَا يَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ مِنْهَا عَلَيْهِ الْقِصَاصُ هِيَ بِمَنْزِلَةِ السِّلَاحِ وَكَذَا كُلُّ مَا لَا يَثْبُتُ عَادَةً كَالسِّلَاحِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجْعَلُ النَّارَ كَالسِّلَاحِ فِي حُكْمِ الذَّكَاةِ حَتَّى لَوْ تَوَقَّدَتْ النَّارُ عَلَى الْمَذْبَحِ وَانْقَطَعَ بِهَا الْعُرُوقُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ انْتَهَى لَكِنْ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ إنَّ النَّارَ تَعْمَلُ فِي الْحَيَوَانِ عَمَلَ الذَّكَاةِ حَتَّى لَوْ قَذَفَ النَّارَ فِي الْمَذْبَحِ فَاحْتَرَقَ الْعُرُوقُ يُؤْكَلُ انْتَهَى وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكِفَايَةِ وَيُحْمَلُ عَلَى مَا إذَا سَالَ بِهَا الدَّمُ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّوْفِيقُ بَيْنَ كَلَامَيْ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ (وَمُوجِبُهُ) أَيْ الْقَتْلِ الْعَمْدِ (الْإِثْمُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} وَفِي الْحَدِيثِ «سِبَابُ الْمُسْلِمِ فِسْقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ».
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ قَتْلِ امْرِئٍ مُسْلِمٍ» وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ (وَالْقِصَاصُ عَيْنًا) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ مِنْ الْقِصَاصِ أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مُتَعَيِّنًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ لَا يَتَعَيَّنُ الْقِصَاصُ بَلْ الْوَلِيُّ مُخَيَّرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخْذِ الدِّيَةِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ قُتِلَ لَهُ قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إمَّا أَنْ يَقْتُلَ وَإِمَّا يُودَى» وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَتْلُ الْعَمْدُ وَمَا أَوْرَدَهُ مِنْ الْحَدِيثِ فَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لَا تَجُوزُ بِهِ الزِّيَادَةُ عَلَى النَّصِّ لِأَنَّهُ نَسْخٌ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا بِقَوْلِهِ الْعَمْدُ قَوَدٌ لَا مَالَ فِيهِ وَلِأَنَّ الْمَالَ لَا يَصْلُحُ مُوجِبًا لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْآدَمِيِّ صُورَةً وَمَعْنًى إذْ الْآدَمِيُّ خُلِقَ مُكَرَّمًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} لِيَشْتَغِلَ بِالطَّاعَاتِ وَالْعِبَادَاتِ وَالْمَالُ خُلِقَ لِإِقَامَةِ مَصَالِحِهِ وَمُبْتَذَلًا فِي حَوَائِجِهِ فَلَا يَصْلُحُ جَابِرًا وَقَائِمًا مَقَامَهُ إلَّا أَنَّ الصُّلْحَ عَلَى مَالٍ يَجُوزُ بِالتَّرَاضِي سَوَاءٌ كَانَ بِأَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا (إلَّا أَنْ يُعْفَى) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ وَلِيُّ الْقِصَاصِ أَوْ يُصَالِحَهُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِهِ كَمَا مَرَّ آنِفًا وَالْعَفْوُ أَفْضَلُ (وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ) لِأَنَّهَا فِيمَا كَانَ دَائِرًا بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ وَالْقَتْلُ كَبِيرَةٌ مَحْضَةٌ لَا تَلِيقُ أَنْ تَكُونَ الْكَفَّارَةُ سَاتِرَةً لَهُ لِوُجُودِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فِيهَا وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «خَمْسٌ مِنْ الْكَبَائِرِ لَا كَفَّارَةَ فِيهِنَّ مِنْهَا قَتْلُ النَّفْسِ بِعَمْدٍ» وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ كَمَا فِي الْخَطَأِ مُرَاعَاةً لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعَبْدِ.
(وَأَمَّا شِبْهُ عَمْدٍ وَهُوَ ضَرْبُهُ) أَيْ الْقَاتِلِ (قَصْدًا بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ) فِي الْعَمْدِ مِمَّا لَا يُفَرِّقُ الْأَجْزَاءَ كَالشَّجَرِ مُطْلَقًا وَالْحَجَرِ أَيْضًا إنْ كَانَا غَيْرَ مُحَدَّدَيْنِ وَالسَّوْطِ وَالْيَدِ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِغَيْرِهِ فِي الثَّقِيلِ الْعَظِيمِ عَلَى مَا مَرَّ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدِ لِأَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ عِنْدَ الْغَيْرِ ضَرْبُ الْقَاتِلِ بِآلَةٍ لَا يَقْتُلُ مِثْلُهَا غَالِبًا كَالْعَصَا وَالْحَجَرِ الصَّغِيرِ وَالسَّوْطِ وَالْيَدِ (وَمُوجَبُهُ) أَيْ شِبْهَ الْعَمْدِ (الْإِثْمُ) لِقَصْدِ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ شَرْعًا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} فَإِنْ قِيلَ إنَّ الْمُدَّعَى عَامٌّ لِلْمُؤْمِنِ وَالذِّمِّيِّ وَالدَّلِيلُ خَاصٌّ بِالْمُؤْمِنِ قُلْنَا إنَّ مُوجَبَهَا فِي الْمُؤْمِنِ ثَبَتَ بِعِبَارَةِ النَّصِّ وَفِي الذِّمِّيِّ بِدَلَالَتِهِ لِتَحْقِيقِ الْمُسَاوَاةِ فِي الْعِصْمَةِ لَا يُقَالُ إنَّ الْآيَةَ دَلِيلٌ لِلْمُعْتَزِلَةِ عَلَى خُلُودِ مُرْتَكِبِ الْكَبِيرَةِ فِي النَّارِ لِأَنَّا نَقُولُ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَحِلِّ أَوْ يُرَادُ بِالْخُلُودِ طُولُ الْمُكْثِ أَوْ يُرَادُ بِهَا الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ تَنْبِيهًا عَلَى عِظَمِ تِلْكَ الْجِنَايَةِ (وَالْكَفَّارَةُ) عَلَى الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ خَطَأٌ نَظَرًا إلَى الْآلَةِ فَدَخَلَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} الْآيَةَ (وَالدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) النَّاصِرَةِ لِلْقَاتِلِ أَمَّا وُجُوبُهَا فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَأِ الْعَمْدِ قَتِيلَ السَّوْطِ وَالْعَصَا وَالْحَجَرِ فِيهِ دِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» الْحَدِيثَ وَأَمَّا كَوْنُ الْوُجُوبِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَلِأَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ وَجْهٍ فَيَكُونُ مَعْذُورًا فَيَتَحَقَّقُ التَّخْفِيفُ لِذَلِكَ وَلِأَنَّهَا تَجِبُ بِنَفْسِ الْقَتْلِ فَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَمَا فِي الْخَطَأِ وَتَجِبُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لِقَضِيَّةِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ قَضَى بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَالْمَرْوِيُّ عَنْهُ كَالْمَرْوِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُعْرَفُ بِالرَّأْيِ (لَا الْقَوَدُ) عَطْفٌ عَلَى الدِّيَةِ أَيْ لَيْسَ فِيهِ لِشُبْهَةٍ بِالْخَطَأِ (وَهُوَ) أَيْ شِبْهُ الْعَمْدِ (فِيمَا دُونَ النَّفْسِ) مِنْ الْأَطْرَافِ (عَمْدٌ) بِاعْتِبَارِ الضَّرْبِ وَالْإِتْلَافِ جَمِيعًا يَعْنِي إذَا جَرَحَ عُضْوًا بِآلَةٍ جَارِحَةٍ وَجَبَ فِيهِ الْقِصَاصُ إنْ كَانَ مِمَّا يُرَاعَى فِيهِ.
الْمُمَاثَلَةُ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ شِبْهُ الْعَمْدِ كَمَا كَانَ فِي النَّفْسِ لِأَنَّ إتْلَافَ النَّفْسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ وَمَا دُونَ النَّفْسِ لَيْسَ كَذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ عَمَّةَ الرَّبِيعِ لَطَمَتْ جَارِيَةً فَكَسَرَتْ ثَنِيَّتَهَا فَطَلَبُوا مِنْهُمْ الْعَفْوَ فَأَبَوْا وَالْأَرْشَ فَأَبَوْا إلَّا الْقِصَاصَ فَاخْتَصَمُوا إلَى رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَأَمَرَ بِالْقِصَاصِ فَقَالَ أَنَسُ بْنُ نَضْرٍ أَتُكْسَرُ ثَنِيَّةُ عَمَّةِ الرَّبِيعِ وَاَلَّذِي بَعَثَك نَبِيًّا بِالْحَقِّ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّتُهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «يَا أَنْسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ فَرَضِيَ الْقَوْمُ وَعَفَوْا وَطَلَبُوا الْأَرْشَ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ» وَوَجْهُ دَلَالَتِهِ عَلَى مَا نَحْنُ فِيهِ أَنَّ اللَّطْمَةَ لَوْ أَتَتْ عَلَى النَّفْسِ لَا تُوجِبُ الْقِصَاصَ وَرَأَيْنَاهَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ قَدْ أَوْجَبْته بِحُكْمِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ مَا كَانَ فِي النَّفْسِ شِبْهَ عَمْدٍ وَهُوَ عَمْدٌ فِيمَا دُونَهَا وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شِبْهُ عَمْدٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَأَمَّا خَطَأٌ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ أَمَّا عَمْدٌ أَوْ شِبْهُ عَمْدٍ (وَهُوَ) أَيْ الْخَطَأُ قِسْمَانِ أَمَّا الْخَطَأُ (فِي الْقَصْدِ بِأَنْ يَرْمِيَ شَخْصًا ظَنَّهُ صَيْدًا) فَإِذَا هُوَ آدَمِيٌّ (أَوْ) يَرْمِي بِظَنِّهِ (حَرْبِيًّا فَإِذَا هُوَ آدَمِيٌّ مَعْصُومُ) الدَّمِ وَإِنَّمَا سُمِّيَ خَطَأً فِي الْقَصْدِ أَيْ فِي الظَّنِّ حَيْثُ ظَنَّ الْآدَمِيَّ صَيْدًا وَالْمُسْلِمَ حَرْبِيًّا وَأَمَّا الْخَطَأُ فِي الْفِعْلِ فَقَدْ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ (أَوْ فِي الْفِعْلِ بِأَنْ يَرْمِيَ غَرَضًا فَيُصِيبُ آدَمِيًّا) فَإِنَّهُ أَخْطَأَ فِي الْفِعْلِ لَا الْقَصْدِ فَيَكُونُ مَعْذُورًا لِاخْتِلَافِ الْمَحِلِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَعَمَّدَ ضَرْبَ مَوْضِعٍ فِي جَسَدِهِ فَأَصَابَ مَوْضِعًا آخَرَ مِنْهُ فَمَاتَ حَيْثُ يَجِبُ الْقِصَاصُ إذْ جَمِيعُ الْبَدَنِ مَحِلٌّ وَاحِدٌ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مَقْصُودِهِ فَلَا يُعْذَرُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادَ يَدَ رَجُلٍ فَأَصَابَ عُنُقَ غَيْرِهِ وَأَبَانَهُ فَهُوَ خَطَأٌ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَأَمَّا لَوْ أَرَادَ أَنْ يَضْرِبَ يَدَ رَجُلٍ بِالسَّيْفِ فَأَخْطَأَ فَأَصَابَ عُنُقَهُ فَبَانَ رَأْسُهُ فَهُوَ عَمْدٌ.
وَفِي الْمِنَحِ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْخَطَأُ قَدْ يَكُونُ فِي نَفْسِ الْفِعْلِ وَقَدْ يَكُونُ فِي ظَنِّ الْفَاعِلِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَنَحْوُ أَنْ يَقْصِدَ صَيْدًا فَيُصِيبُ آدَمِيًّا وَأَنْ يَقْصِدَ رَجُلًا فَيُصِيبُ غَيْرَهُ وَإِنْ قَصَدَ عُضْوًا مِنْ رَجُلٍ فَأَصَابَ عُضْوًا آخَرَ مِنْهُ فَهَذَا عَمْدٌ وَلَيْسَ بِخَطَأٍ وَأَمَّا الثَّانِي فَنَحْوُ أَنْ يَرْمِيَ إلَى إنْسَانٍ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ أَوْ مُرْتَدٌّ فَإِذَا هُوَ مُسْلِمٌ انْتَهَى (وَأَمَّا مَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ كَنَائِمٍ انْقَلَبَ عَلَى آخَرَ فَقَتَلَهُ) فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْخَطَأِ وَلَيْسَ بِخَطَأٍ حَقِيقَةً لِعَدَمِ قَصْدِ النَّائِمِ إلَى شَيْءٍ حَتَّى يَصِيرَ مُخْطِئًا لِمَقْصُودِهِ وَلَمَّا وُجِدَ فِعْلٌ حَقِيقَةً وَجَبَ عَلَيْهِ مَا أَتْلَفَهُ كَفِعْلِ الطِّفْلِ فَجُعِلَ كَالْخَطَأِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ كَالْمُخْطِئِ (وَمُوجَبُهُمَا) أَيْ الْخَطَأَ مُطْلَقًا وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَاهُ (الْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ} وَقَدْ قَضَى بِهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ فَصَارَ إجْمَاعًا.
(وَأَمَّا قَتْلٌ بِسَبَبٍ) أَيْ بِكَوْنِهِ سَبَبًا لِلْقَتْلِ (وَهُوَ) أَيْ الْقَتْلُ بِسَبَبٍ (نَحْوُ أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا أَوْ يَضَعَ حَجَرًا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ بِلَا إذْنِ) مَنْ لَهُ الْإِذْنُ وَهُوَ قَيْدٌ لِلْمُتَعَاطِفِينَ (فَيَهْلِكُ بِهِ إنْسَانٌ) نَبَّهَ بِقَوْلِهِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ فَعَلَهُ فِي مِلْكِهِ لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِهِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي فِعْلِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا فِيهِ وَمِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ إذَا مَشَى الْهَالِكُ عَلَيْهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْحَفْرِ فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ عَلَى الْحَافِرِ شَيْءٌ (وَمُوجِبُهُ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْحَفْرِ وَوَضْعِ الْحَجَرِ (الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ) لِأَنَّهُ سَبَبُ التَّلَفِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِالْحَفْرِ وَوَضْعِ الْحَجَرِ فَجُعِلَ كَالْمُبَاشِرِ لِلْقَتْلِ فَتَجِبُ فِيهِ الدِّيَةُ صِيَانَةً لِلْأَنْفُسِ فَتَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ الْقَتْلَ بِهَذَا الطَّرِيقِ دُونَ الْقَتْلِ بِالْخَطَأِ فَيَكُونُ مَعْذُورًا فَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ تَخْفِيفًا عَنْهُ لَا فِي الْخَطَأِ بَلْ أَوْلَى لِعَدَمِ الْقَتْلِ مِنْهُ مُبَاشَرَةً وَلِهَذَا قَالَ (لَا) تَجِبُ (الْكَفَّارَةُ) فِيهِ وَفِي الْمُجْتَبَى وَفِيهِ ذَنْبُ الْحَفْرِ وَالْوَضْعُ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ دُونَ ذَنْبِ الْقَتْلِ قَالُوا وَلَا إثْمَ فِيهِ مَعْنَاهُ لَا إثْمَ فِيهِ إثْمُ الْقَتْلِ دُونَ إثْمِ الْحَفْرِ وَالْوَضْعِ (وَكُلُّهَا) أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ أَنْوَاعِ الْقَتْلِ كَالْعَمْدِ وَشِبْهِهِ وَالْخَطَأِ (تُوجِبُ حِرْمَانَ الْإِرْثِ إلَّا هَذَا) أَيْ إلَّا الْقَتْلَ بِسَبَبٍ فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ حِرْمَانَ الْإِرْثِ كَمَا لَا يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ مُلْحَقٌ بِالْخَطَأِ فِي الْأَحْكَامِ.

.بَاب مَا يُوجِبُ الْقِصَاص وَمَا لَا يُوجِبهُ:

لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَقْسَامِ الْقَتْلِ وَكَانَ مِنْ جُمْلَتِهَا الْعَمْدُ وَهُوَ قَدْ يُوجِبُ الْقِصَاصَ وَقَدْ لَا يُوجِبُهُ احْتَاجَ إلَى تَفْصِيلِ ذَلِكَ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ فَقَالَ (يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلٍ مِنْ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ) قَوْلُهُ عَلَى التَّأْبِيدِ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ حَقُّنَا وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمُسْتَأْمَنِ فَإِنَّ فِي قَتْلِهِ شُبْهَةَ الْإِبَاحَةِ بِالْعَوْدِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَلَا يَكُونُ مَحْقُونَ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَقَوْلُهُ (عَمْدًا) قَيْدٌ لِلْقَتْلِ أَيْ قَتْلَ عَمْدٍ فَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مُطْلَقٌ لِبَيَانِ النَّوْعِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْقَتْلِ غَيْرِ الْعَمْدِ فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ (فَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ) لِكَمَالِ الْمُمَاثَلَةِ (وَ) يُقْتَلُ (بِالْعَبْدِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} وقَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} الْآيَةَ وَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الْعَمْدُ قَوَدٌ» وَلِأَنَّ الْقَوَدَ يَعْتَمِدُ عَلَى الْمُسَاوَاةِ فِي الْعِصْمَةِ وَهِيَ إمَّا فِي الدَّيْنِ أَوْ فِي الدَّارِ وَلِأَنَّ التَّخْصِيصَ بِالذَّكَرِ فِي قَوْله تَعَالَى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} لَا يَنْفِي مَا عَدَاهُ مَعَ أَنَّ اللَّامَ لِتَعْرِيفِ الْعَهْدِ لَا لِتَعْرِيفِ الْجِنْسِ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ حَمْلَ اللَّامِ فِي قَوْله تَعَالَى {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} عَلَى الْعَهْدِ كَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا فِي سَبَبِ النُّزُولِ يَحْسِمُ مَادَّةَ.
الِاسْتِدْلَالِ بِهَا رَأْسًا لِأَنَّ مَبْنَى اسْتِدْلَالِ الشَّافِعِيِّ عَلَى حَمْلِ اللَّامِ لِلْجِنْسِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.
(الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ) لِعُمُومَاتِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَتَلَ مُسْلِمًا بِذِمِّيٍّ» وَإِنَّمَا أَعْطَوْا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ أَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا وَدِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ» وَلِأَنَّهُ لَا مُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا وَقْتَ الْجِنَايَةِ وَكَذَا الْكُفْرُ مُبِيحٌ فَيُورِثُ الشُّبْهَةَ وَلَنَا أَنَّ الْمُسَاوَاةَ فِي الْعِصْمَةِ ثَابِتَةٌ نَظَرًا إلَى التَّكْلِيفِ أَوْ الدَّارِ وَالْمُبِيحُ كُفْرُ الْمُحَارِبِ دُونَ الْمُسَالِمِ وَالْقَتْلُ بِمِثْلِهِ يُؤْذِنُ بِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ وَالْمُرَادُ بِمَا رَوَاهُ الْحَرْبِيُّ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (وَلَا يُقْتَلَانِ) أَيْ الْمُسْلِمُ وَالذِّمِّيُّ (بِمُسْتَأْمَنٍ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَعْصُومِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ كَمَا مَرَّ (بَلْ) يُقْتَلُ (الْمُسْتَأْمَنُ بِمِثْلِهِ) لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا وَهُوَ الْقِيَاسُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ أَنْ لَا يُقْتَلُ لِقِيَامِ مُبِيحِ الْقَتْلِ فِيهِ.
وَفِي الْمِنَحِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ لِتَصْرِيحِهِمْ بِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ إلَّا فِي مَسَائِلَ مَضْبُوطَةٍ يُعْمَلُ فِيهَا بِالْقِيَاسِ لَيْسَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْهَا وَقَدْ اقْتَصَرَ مُلَّا خُسْرو فِي مُخْتَصَرِهِ عَلَى الْقِيَاسِ انْتَهَى.
(وَ) يُقْتَلُ (الذَّكَرُ بِالْأُنْثَى) وَفِي النِّهَايَةِ وَذَكَرَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ لَا يُقْتَلُ الذَّكَرُ بِالْأُنْثَى لَكِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لِعَامَّةِ كُتُبِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ (وَ) يُقْتَلُ (الْعَاقِلُ بِالْمَجْنُونِ) لَا بِعَكْسِهِ (وَ) يُقْتَلُ (الْبَالِغُ بِغَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ الْبَالِغِ لَا بِعَكْسِهِ أَيْضًا (وَ) يُقْتَلُ (الصَّحِيحُ بِغَيْرِهِ) أَيْ بِغَيْرِ الصَّحِيحِ كَالْأَعْمَى وَالزَّمِنِ (وَ) يُقْتَلُ (كَامِلُ الْأَطْرَافِ بِنَاقِصِهَا) أَيْ بِنَاقِصِ الْأَطْرَافِ لِلْعُمُومَاتِ الْمَذْكُورَةِ.
(وَ) يُقْتَلُ (الْفَرْعُ بِأَصْلِهِ) وَإِنْ عَلَا لِعَدَمِ الْمَسْقَطِ (لَا) يُقْتَلُ (الْأَصْلُ بِفَرْعِهِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا يُقَادُ الْوَالِدُ بِوَلَدِهِ» فَالْوَالِدُ يَتَنَاوَلُ الْجَدَّ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَإِنْ عَلَا وَالْوَالِدَةَ وَالْجَدَّةَ مِنْ طَرَفِ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَإِنْ عَلَتْ وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ يُقَادُ إذَا ذَبَحَهُ ذَبْحًا وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِإِحْيَائِهِ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُسْتَحَقَّ لَهُ إفْنَاؤُهُ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُ وَإِنْ وَجَدَهُ فِي صَفِّ الْأَعْدَاءِ مُقَاتِلًا أَوْ زَانِيًا وَهُوَ مُحْصَنٌ وَالْقِصَاصُ يَسْتَحِقُّهُ الْمَقْتُولُ ثُمَّ يَخْلُفُهُ الْوَارِثُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ (بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِ) الْأَبِ (الْقَاتِلِ) لِأَنَّهُ قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ (فِي ثَلَاثِ سِنِينَ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ فِي الْحَالِ لِأَنَّ التَّأْجِيلَ كَانَ لِلتَّخْفِيفِ فِي حَقِّ الْخَاطِئِ وَهَذَا عَامِدٌ فَلَا يَسْتَحِقُّهُ وَلَنَا أَنَّ الْمَالَ لَيْسَ بِمُمَاثِلٍ لِلنَّفْسِ فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكُونَ بَدَلًا عَنْهَا إلَّا أَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِهِ مُؤَجَّلًا فَلَا يُعْدَلُ عَنْهُ.
(وَلَا) يُقْتَلُ (السَّيِّدُ بِعَبْدِهِ أَوْ مُدَبَّرِهِ أَوْ مُكَاتَبِهِ) لِأَنَّهُ لَوْ وَجَبَ الْقِصَاصُ لَوَجَبَ لَهُ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَجِبَ لَهُ عَلَى نَفْسِهِ قِصَاصٌ (وَعَبْدِ وَلَدِهِ) أَيْ لَا يُقْتَلُ الْوَالِدُ بِقَتْلِ عَبْدِ وَلَدِهِ لِأَنَّ الْوَالِدَ لَا يَسْتَوْجِبُ الْقِصَاصَ عَلَى الْأَبِ (وَعَبْدُ بَعْضِهِ لَهُ) أَيْ وَلَا يُقْتَلُ الْمَوْلَى بِقَتْلِ عَبْدٍ بَعْضُهُ لَهُ وَبَعْضُهُ.
لِآخَرَ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَجَزَّأُ فَإِذَا سَقَطَ فِي الْبَعْضِ يَسْقُطُ فِي الْكُلِّ (وَإِنْ وَرِثَ قِصَاصًا عَلَى أَبِيهِ) بِأَنْ قَتَلَ الْأَبُ أُمَّ ابْنِهِ أَوْ قَتَلَ الْأَبُ أَخَا لِامْرَأَتِهِ ثُمَّ مَاتَتْ امْرَأَتُهُ قَبْلَ أَنْ تَقْتَصَّ مِنْهُ فَإِنَّ ابْنَهَا مِنْهُ يَرِثُ الْقِصَاصَ الَّذِي لَهَا عَلَى أَبِيهِ (سَقَطَ) الْقِصَاصُ لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ.
(وَلَا قِصَاصَ عَلَى شَرِيكِ الْأَبِ أَوْ الْمَوْلَى أَوْ) شَرِيكِ (الْمُخْطِئِ أَوْ) شَرِيكِ (الصَّبِيِّ أَوْ) شَرِيكِ (الْمَجْنُونِ وَ) شَرِيكِ (كُلِّ مَنْ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ بِقَتْلِهِ) كَشَرِيكِ الْجَدِّ وَالْأُمِّ وَغَيْرِهِمَا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّهُ إذَا سَقَطَ فِي الْبَعْضِ لِأَجْلِ أَنَّهُ مَلَكَ الْبَعْضَ سَقَطَ فِي الْكُلِّ لِعَدَمِ التَّجَزُّؤِ فِي الْقِصَاصِ.
(وَإِنْ قُتِلَ عَبْدُ الرَّهْنِ لَا يُقْتَصُّ حَتَّى يَحْضُرَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ) لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا مِلْكَ لَهُ فَلَا يَلِي الْقِصَاصَ وَالرَّاهِنُ لَوْ تَوَلَّاهُ يَبْطُلُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الرَّهْنِ فَشَرَطَ اجْتِمَاعَهُمَا لِيَسْقُطَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِرِضَاهُ وَقِيلَ لَا يَثْبُتُ الْقِصَاصُ لَهُمَا وَإِنْ اجْتَمَعَا وَقَيَّدَ بِاجْتِمَاعِهِمَا حَتَّى لَوْ اخْتَلَفَا فَلَهُمَا الْقِيمَةُ يَكُونُ رَهْنًا مَكَانَهُ.
(وَإِنْ قُتِلَ مُكَاتَبٌ عَنْ وَفَاءٍ وَلَهُ) أَيْ لِلْمُكَاتَبِ (وَارِثٌ مَعَ سَيِّدِهِ فَلَا قِصَاصَ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ اخْتَلَفُوا فِي مَوْتِهِ حُرًّا وَرِقًّا فَعَلَى الْأَوَّلِ الْوَلِيُّ هُوَ الْوَارِثُ وَعَلَى الثَّانِي الْمَوْلَى فَاشْتَبَهَ مَنْ لَهُ حَقُّ الْقِصَاصِ فَارْتَفَعَ.
(وَإِنْ لَمْ يَكُنْ) لَهُ (وَفَاءٌ يَقْتَصُّ سَيِّدُهُ) بِالْإِجْمَاعِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَ السَّيِّدِ وَارِثٌ أَوْ لَا لِأَنَّهُ مَاتَ عَبْدًا بِلَا رَيْبٍ لِانْفِسَاخِ الْكِتَابَةِ بِمَوْتِهِ عَاجِزًا فَيَقْتَصُّ الْمَوْلَى.
(وَكَذَا) يَقْتَصُّ الْمَوْلَى (إنْ كَانَ) لَهُ (وَفَاءٌ وَلَا وَارِثَ) لَهُ (غَيْرُ سَيِّدِهِ) أَيْ الْمُكَاتَبِ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِأَنَّ حَقَّ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمَوْلَى يَتَعَيَّنُ لِانْعِدَامِ الْوَارِثِ وَتَعَدُّدِ السَّبَبِ لَا يَقْتَضِي تَعَدُّدَ الْحُكْمِ وَلَا يُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِاتِّحَادِ الْحُكْمِ لِلْمَوْلَى (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فَإِنَّ عِنْدَهُ لَا يَقْتَصُّ الْمَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي لِاشْتِبَاهِ سَبَبِ الِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ الْوَلَاءُ إنْ مَاتَ حُرًّا أَوْ الْمِلْكُ إنْ مَاتَ عَبْدًا.
(وَلَا قِصَاصَ إلَّا بِالسَّيْفِ) سَوَاءٌ قَتَلَهُ بِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ» وَالْمُرَادُ بِهِ السِّلَاحُ وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا تُعَذِّبُوا عِبَادَ اللَّهِ».
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُفْعَلُ بِالْقَاتِلِ مِثْلُ مَا فَعَلَ إنْ كَانَ فِعْلًا مَشْرُوعًا فَإِنْ مَاتَ فَبِهَا وَإِلَّا تُحَزُّ رَقَبَتُهُ لِأَنَّ مَبْنَى الْقِصَاصِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ وَالْفِعْلُ الْمَشْرُوعُ كَالرَّجْمِ وَهُوَ فِي الْجُمْلَةِ مَشْرُوعٌ وَغَيْرُ الْمَشْرُوعِ كَوَطْءِ الصَّغِيرَةِ وَاللُّوَاطَةِ بِالصَّغِيرِ لَوْ أَجْرَعَ أَحَدًا خَمْرًا حَتَّى قَتَلَهُ اخْتَلَفَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ تُحَزُّ رَقَبَتُهُ وَلَا يُفْعَلُ بِهِ مِثْلُهُ وَأَمَّا الْقَتْلُ بِحَجَرٍ مَشْرُوعٌ فِي الرَّجْمِ فَجَازَ أَنْ يُقْتَلَ بِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُتَّخَذُ لَهُ مِثْلُ آلَتِهِ مِنْ الْخَشَبِ وَيُفْعَلُ بِهِ مِثْلُ مَا فَعَلَ وَفِي الْخَمْرِ يُجَرَّعُ الْمَاءَ حَتَّى يَمُوتَ.
(وَلِأَبِي الْمَعْتُوهِ أَنْ يَقْتَصَّ مِنْ قَاطِعِ يَدِهِ) أَيْ الْمَعْتُوهِ (وَقَاتِلِ قَرِيبِهِ) يَعْنِي إذَا قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ الْمَعْتُوهِ عَمْدًا أَوْ قَتَلَ قَرِيبَهُ كَوَلَدِهِ فَوَلِيُّ الْمَعْتُوهِ يَعْنِي أَبَاهُ يَقْتَصُّ مِنْ جَانِبِ الْمَعْتُوهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْوِلَايَةِ عَلَى النَّفْسِ شُرِعَ لِأَمْرٍ رَاجِعٍ إلَى النَّفْسِ وَهِيَ تَشْفِي الصَّدْرَ فَيَلِيهِ كَالْإِنْكَاحِ (وَإِنْ يُصَالِحْ) أَيْ لِأَبِ الْمَعْتُوهِ أَنْ يُصَالِحَ الْقَاطِعَ عَلَى مَالٍ قَدْرَ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ أَنَظَرُ فِي حَقِّ الْمَعْتُوهِ وَلَوْ صَالَحَ عَلَى أَقَلَّ مِنْهُ لَا يَجُوزُ فَتَجِبُ دِيَةٌ كَامِلَةٌ (لَا أَنْ يَعْفُوَ) أَيْ لَيْسَ لَهُ وِلَايَةُ الْعَفْوِ لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِحَقِّهِ بِلَا عِوَضٍ (وَالصَّبِيُّ كَالْمَعْتُوهِ) لِأَنَّ كُلَّ مَا ثَبَتَ مِنْ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لِأَبِ الْمَعْتُوهِ يَثْبُتُ لِأَبِ الصَّبِيِّ (وَالْقَاضِي كَالْأَبِ هُوَ الصَّحِيحُ) عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ فِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهُ نَائِبٌ مِنْ السُّلْطَانِ وَالسُّلْطَانُ يَقْتَصُّ مِنْ قَاتِلِ الْقَتِيلِ الَّذِي لَا وَلِيَّ لَهُ كَذَا يَقْتَصُّهُ النَّائِبُ وَقَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَمَّا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَسْتَوْفِي الْقِصَاصَ لِلصَّغِيرِ لَا فِي النَّفْسِ وَلَا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا أَنْ يُصَالِحَ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ.
وَفِي النِّهَايَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَقْتَصَّ إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ كَاللَّقِيطِ كَمَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ بِغَيْرِ مَالٍ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْمُسْلِمِينَ وَقُلْنَا لِلسُّلْطَانِ وَلِنَائِبِهِ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَيَلِي الِاسْتِيفَاءَ.
(وَكَذَا الْوَصِيُّ) أَيْ هُوَ كَالْأَبِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ (إلَّا أَنَّهُ لَا يَقْتَصُّ فِي النَّفْسِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ وِلَايَةً عَلَى نَفْسِهِ حَتَّى لَا يَتَمَلَّكَ تَزْوِيجَهُ وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الْإِطْلَاقِ الصُّلْحُ عَنْ النَّفْسِ وَاسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَثْنِ إلَّا الْقَوَدَ فِي النَّفْسِ وَفِي كِتَابِ الصُّلْحِ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَمْلِكُ الصُّلْحَ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي النَّفْسِ بِالِاعْتِيَاضِ عَنْهُ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَةَ الِاسْتِيفَاءِ وَوَجْهُ الْمَذْكُورِ هُنَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الصُّلْحِ الْمَالُ وَأَنَّهُ يَجِبُ بِعَقْدِهِ كَمَا يَجِبُ بِعَقْدِ الْأَبِ بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّشَفِّي وَهُوَ مُخْتَصٌّ بِالْأَبِ وَلَا يَمْلِكُ الْعَفْوَ لِأَنَّ الْأَبَ لَا يَمْلِكُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِبْطَالِ فَهُوَ أَوْلَى قَالُوا الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَمْلِكَ الْوَصِيُّ الِاسْتِيفَاءَ فِي الطَّرَفِ كَمَا لَا يَمْلِكُهُ فِي النَّفْسِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مُتَّحِدٌ وَهُوَ التَّشَفِّي وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَمْلِكُهُ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ فَإِنَّهَا خُلِقَتْ وِقَايَةً لِلْأَنْفُسِ كَالْمَالِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَمَنْ قُتِلَ وَلَهُ أَوْلِيَاءُ كِبَارٌ وَصِغَارٌ) بِأَنْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ بَنُونَ صِغَارٌ وَكِبَارٌ أَوْ إخْوَةٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ (فَلِلْكِبَارِ الِاقْتِصَاصُ مِنْ قَاتِلِهِ قَبْلَ كِبَرِ الصِّغَارِ) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لِكُلٍّ مِنْهُمْ عَلَى الْكَمَالِ فَيَجُوزُ عَلَى الِانْفِرَادِ وَاحْتِمَالُ الْعَفْوِ مِنْ الصَّغِيرِ مُنْقَطِعٌ كَمَا فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ بِخِلَافِ الْكَبِيرَيْنِ لِأَنَّ احْتِمَالَ الْعَفْوِ مِنْ الْغَائِبِ ثَابِتٌ (خِلَافًا لَهُمَا) لِأَنَّ الْحَقَّ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ فَلَا يَنْفَرِدُ بَعْضُهُمْ بِاسْتِيفَائِهِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ.
(وَلَوْ غَابَ أَحَدُ الْكِبَارِ يُنْتَظَرُ) حُضُورُهُ (إجْمَاعًا) لِمَا بَيَّنَّا مِنْ احْتِمَالِ الْعَفْوِ مِنْ الْكَبِيرِ الْغَائِبِ.
(وَمَنْ قَتَلَ بِحَدِيدَةِ الْمَرِّ اُقْتُصَّ مِنْهُ إنْ جَرَحَهُ) لِأَنَّهُ سَبَبٌ ظَاهِرٌ لِلْجُرْحِ.
(وَإِنْ) قَتَلَ (بِظَهْرِهِ) أَيْ بِظَهْرِ الْمَرِّ (أَوْ عَصَاهُ فَلَا) يُقْتَصُّ لِكَوْنِهِ غَيْرَ جَارِحٍ (وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا يُقْتَصُّ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ.
اعْتِبَارًا مِنْهُ لِآلَةٍ وَهُوَ الْحَدِيدُ وَعَنْهُ إنَّمَا يَجِبُ إذَا جَرَحَ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَعَلَى هَذَا الضَّرْبِ بِسَنَجَاتِ الْمِيزَانِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَكَذَا الْخِلَافُ فِي كُلِّ مُثْقِلٍ) إنْ كَانَ مِمَّا لَا يُطِيقُهُ الْإِنْسَانُ (وَفِي التَّغْرِيقِ وَالْخَنْقِ) يَعْنِي لَا يُقْتَصُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا لِوُجُودِ الْقَتْلِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَلَهُ أَنَّ الْقِصَاصَ يَتَعَلَّقُ بِالْعَمْدِ الْمَحْضِ وَهُوَ أَنْ تَقْتُلَ بِآلَةٍ جَارِحَةٍ تَعْمَلُ فِي نَقْضِ الْبِنْيَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَلَمْ يُوجَدْ وَالْقَوَدُ يُسْتَوْفَى بِالسَّيْفِ وَفِيهِ جَرْحُ الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ فَلَا يَتَمَاثَلَانِ وَكَذَا لَا يُقْتَصُّ فِي الْقَتْلِ بِتَغْرِيقٍ إنْ كَانَ الْمَاءُ كَثِيرًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ النَّجَاةُ بِالسِّبَاحَةِ كَالْبَحْرِ خِلَافًا لَهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَعِنْدَهُ يُغَرَّقُ أَمَّا إنْ كَانَ كَثِيرًا يُمْكِنُهُ النَّجَاةُ بِالسِّبَاحَةِ فَهُوَ شِبْهُ الْعَمْدِ عِنْدَنَا وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا لَا يُقْتَلُ بِهِ غَالِبًا فَلَا يُقْتَصُّ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِابْنِ الشَّيْخِ.
وَفِي الْمِنَحِ وَإِنْ سَبَحَ سَاعَةً فَلَا دِيَةَ فِيهِ وَإِنْ أَلْقَاهُ مِنْ سَطْحٍ أَوْ جَبَلٍ أَوْ بِئْرٍ وَيُرْجَى نَجَاتُهُ غَالِبًا فَهُوَ خَطَأُ الْعَمْدِ وَإِلَّا فَعَلَى الْخِلَافِ وَلَوْ أَجْرَعَهُ سُمًّا كَرْهًا أَوْ نَاوَلَهُ وَأَكْرَهَهُ عَلَى شُرْبِهِ فَلَا قَوَدَ فِيهِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَقِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ إذَا كَانَ السُّمُّ مِقْدَارَ مَا يَقْتُلُ غَالِبًا وَإِنَّ نَاوَلَهُ فَشَرِبَ مِنْ غَيْرِ إكْرَاهٍ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ عَلِمَ الشَّارِبُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَلَوْ أَدْخَلَهُ بَيْتًا فَمَاتَ فِيهِ جُوعًا لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ الدِّيَةُ وَلَوْ دَفَنَهُ حَيًّا فَمَاتَ يُقَادُ بِهِ.
(وَإِنْ تَكَرَّرَ) أَيْ الْقَتْلُ بِالْمُثْفِلِ وَالتَّغْرِيقِ وَالْخَنْقِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْقَاتِلِ (قُتِلَ بِهِ) أَيْ بِالْقَتْلِ الْمُكَرَّرِ (إجْمَاعًا) لَكِنْ قَالَ صَاحِبُ الِاخْتِيَارِ وَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ فَلِلْإِمَامِ قَتْلُهُ سِيَاسَةً لِأَنَّهُ سَعَى فِي الْأَرْضِ بِالْفَسَادِ (وَلَا قِصَاصَ فِي الْقَتْلِ بِمُوَالَاةِ ضَرْبِ السَّوْطِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِيهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّ الْمُوَالَاةَ فِي ضَرْبِ السَّوْطِ إلَى أَنْ مَاتَ دَلِيلُ الْعَمْدِيَّةِ فَيَتَحَقَّقُ مُوجَبُ الْعَمْدِ وَهُوَ الْقِصَاصُ وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَأِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا وَفِيهِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ» وَلِأَنَّ هَذِهِ الْآلَةَ غَيْرُ مَوْضُوعَةٍ لِلْقَتْلِ.
(وَمَنْ جُرِحَ) أَيْ عَمْدًا (فَلَمْ يَزَلْ ذَا فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ اقْتَصَّ مِنْ جَارِحِهِ) لِوُجُوبِ السَّبَبِ وَعَدَمِ مَا يُبْطِلُ حُكْمَهُ فِي الظَّاهِرِ فَأُضِيفَ إلَيْهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَإِذَا الْتَقَى الصَّفَّانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ فَقَتَلَ مُسْلِمٌ مُسْلِمًا ظَنَّهُ حَرْبِيًّا فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ لَا الْقِصَاصُ) لِأَنَّ هَذَا أَحَدُ نَوْعَيْ الْخَطَأِ وَالْخَطَأُ بِنَوْعَيْهِ لَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَيُوجِبُ الْكَفَّارَةَ وَكَذَا الدِّيَةُ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ نَصُّ الْكِتَابِ وَلَمَّا اخْتَلَفَتْ سُيُوفُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى إيمَانِ أَبِي حُذَيْفَةَ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدِّيَةِ» قَالُوا إنَّمَا تَجِبُ إذَا كَانُوا مُخْتَلِطِينَ فَإِنْ كَانَ فِي صَفِّ الْمُشْرِكِينَ لَا تَجِبُ لِسُقُوطِ عِصْمَتِهِ بِتَكْثِيرِ سَوَادِهِمْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ».
(وَمَنْ مَاتَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَزَيْدٍ وَحَيَّةٍ وَأَسَدٍ) يَعْنِي مِنْ شَجَّ نَفْسَهُ وَشَجَّهُ رَجُلٌ وَعَقَرَهُ أَسَدٌ وَأَصَابَتْهُ.
حَيَّةٌ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ (فَعَلَى زَيْدٍ ثُلُثُ دِيَتِهِ) لِأَنَّ فِعْلَ الْأَسَدِ وَالْحَيَّةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ لِكَوْنِهِ هَدَرًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَفِعْلُهُ بِنَفْسِهِ جِنْسٌ آخَرُ لِكَوْنِهِ هَدَرًا فِي الدُّنْيَا مُعْتَبَرًا فِي الْآخِرَةِ حَتَّى يَأْثَمَ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَيُغَسَّلُ فَقَطْ وَفِعْلُ زَيْدٍ مُعْتَبَرٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَصَارَتْ ثَلَاثَةَ أَجْنَاسٍ وَيُوَزِّعُ دِيَةَ النَّفْسِ أَثْلَاثًا فَيَكُونُ التَّلَفُ زَيْدٌ ثُلُثُهَا فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ فِيهِ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُولُ عَاقِلًا بَالِغًا وَإِلَّا يَلْحَقُ فِعْلُهُ بِفِعْلِ الْأَسَدِ وَالْحَيَّةِ فَيَكُونُ فِعْلُهُ هَدَرًا كَفِعْلِهِمَا وَكَذَا يُفْهَمُ أَنْ لَا يَتَفَاوَتَ فِي جَانِبِ الْأَسَدِ وَالْحَيَّةِ زِيَادَةُ مِنْ وَطِئَ فَرَسَهُ حَيْثُ يَكُونُ فِعْلُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ جِنْسًا وَاحِدًا لِكَوْنِهِ هَدَرًا مُطْلَقًا أَيْضًا حَتَّى لَا يَنْقُصَ بِانْضِمَامِ الْفَرَسِ إلَيْهِمَا عَنْ الثُّلُثِ الْوَاجِبِ عَلَى زَيْدٍ.
(وَمَنْ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا وَجَبَ قَتْلُهُ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا فَقَدْ أَحَلَّ دَمَهُ» أَيْ أَهْدَرَهُ وَلِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ وَاجِبٌ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ قَتْلُهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ إلَّا بِهِ وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ لِأَنَّهُ بَاغٍ سَقَطَتْ عِصْمَتُهُ بِبَيِّنَةٍ فَلَمْ يَلْزَمُ عَلَى الْقَاتِلِ قِصَاصٌ وَلَا دِيَةٌ وَلَا كَفَّارَةٌ وَلَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِاللَّيْلِ أَوْ بِالنَّهَارِ فِي مِصْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَلَا شَيْءَ فِي قَتْلِ مَنْ شَهَرَ عَلَى آخَرَ سِلَاحًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فِي مِصْرٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ شَهَرَ عَلَيْهِ عَصًا لَيْلًا فِي مِصْرٍ أَوْ نَهَارًا فِي غَيْرِهِ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ) لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَلْبَثُ فَيَحْتَاجُ إلَى دَفْعِهِ بِالْقَتْلِ فَلَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِيهِ بِالنَّهَارِ أَوْ اللَّيْلِ أَوْ الْمِصْرِ أَوْ غَيْرِهِ هَذَا فِي السِّلَاحِ وَأَمَّا الْعَصَا فَكَالسِّلَاحِ إنْ كَانَتْ خَارِجَ الْمِصْرِ لَا فَرْقَ فِيهَا بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ حِينَئِذٍ فَكَانَ لَهُ دَفْعُهُ بِالْقَتْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ فَجَوَازُ الدَّفْعِ بِالْقَتْلِ مَشْرُوطٌ بِأَنْ يَكُونَ بِاللَّيْلِ أَمَّا إذَا كَانَتْ الْعَصَا فِي الْمِصْرِ نَهَارًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ الدَّفْعُ بِالْقَتْلِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمَتْنِ.
(وَلَا) شَيْءَ (عَلَى مَنْ) أَيْ شَخْصٍ (قَتَلَ) أَيْ ذَلِكَ الشَّخْصَ (مَنْ) أَيْ شَخْصًا آخَرَ (سَرَقَ مَتَاعَهُ لَيْلًا وَأَخْرَجَهُ إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الِاسْتِرْدَادُ بِدُونِ الْقَتْلِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «قَاتِلْ دُونَ مَالِكِ» وَلِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ الْقَتْلُ دَفْعًا فِي الِابْتِدَاءِ فَكَذَا الِاسْتِرْدَادُ فِي الِانْتِهَاءِ وَهَذَا إذَا كَانَ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الِاسْتِرْدَادِ إلَّا بِالْقَتْلِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَمَّا إذَا أَمْكَنَ الِاسْتِرْدَادُ بِدُونِ الْقَتْلِ كَالتَّهْدِيدِ وَالصِّيَاحِ وَقَتَلَهُ مَعَ ذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ إذَا قَتَلَ الْغَاصِبَ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى دَفْعِهِ بِالِاسْتِغَاثَةِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْحَاكِمِ فَلَا تَسْقُطُ عِصْمَتُهُ بِخِلَافِ السَّارِقِ الَّذِي لَا يَنْدَفِعُ إلَّا بِالْقَتْلِ كَذَا فِي الزَّيْلَعِيِّ وَشَرْطُ الْإِخْرَاجِ لِأَنَّهُ مَا لَمْ يُخْرِجْ الْمَتَاعَ لَمْ يَكُنْ سَارِقًا وَاَلَّذِي فِي أَكْثَرِ الْكُتُبِ أَنَّهُ إذَا قَصَدَ الْأَخْذَ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِهِ إلَّا بِالْقَتْلِ فَلَا شَيْءَ بِقَتْلِهِ وَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْقَتْلِ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ أَوْ قَبْلَ الْإِخْرَاجِ حَيْثُ إنَّهُ فِي الصُّورَتَيْنِ.
إنْ أَمْكَنَ الدَّفْعُ أَوْ الِاسْتِرْدَادُ بِدُونِ الْقَتْلِ لَا يَقْتُلُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ يَجُوزُ لَهُ الْقَتْلُ فَلَا فَائِدَةَ يُعْتَدُّ بِهَا حِينَئِذٍ بِقَيْدِ الْإِخْرَاجِ فَتَأَمَّلْ.
(وَيَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى قَاتِلِ مَنْ شَهَرَ عَصًا) نَهَارًا فِي مِصْرٍ لِأَنَّهُ يَلْبَثُ فَيُمْكِنُ أَنْ يَلْحَقَهُ الْغَوْثُ وَيُفَرَّقُ بَيْنَ الْعَصَا الَّتِي تَلْبَثُ وَاَلَّتِي لَا تَلْبَثُ بِالصِّغَرِ وَالْكِبَرِ فَعِنْدَ الْإِمَامَيْنِ الْعَصَا الَّتِي لَا تَلْبَثُ مِثْلُ السِّلَاحِ فِي الْحُكْمِ حَيْثُ لَمْ يُفَرِّقْ فِيهَا بَيْنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْمِصْرِ وَغَيْرِهِ (أَوْ شَهَرَ سَيْفًا وَضَرَبَ بِهِ وَلَمْ يَقْتُلْ وَرَجَعَ) عَطَفَ عَلَى قَوْلِهِ شَهَرَ عَصًا يَعْنِي يَجِبُ الْقِصَاصُ إذَا شَهَرَ رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ سِلَاحًا فَضَرَبَهُ الشَّاهِرُ وَلَمْ يَقْتُلْهُ وَانْصَرَفَ ثُمَّ إنْ الْمَشْهُورَ عَلَيْهِ ضَرَبَ الشَّاهِرَ فَقَتَلَهُ لِعِصْمَةِ دَمِ الشَّاهِرِ بِالِانْصِرَافِ لِأَنَّ هَدَرَ دَمِهِ كَانَ بِاعْتِبَارِ شَهْرِهِ وَضَرْبِهِ فَإِذَا انْصَرَفَ عَنْ ذَلِكَ عَادَ إلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْعِصْمَةِ فَيُقْتَصُّ مِنْ قَاتِلِهِ لِأَنَّهُ قَتَلَ رَجُلًا مَعْصُومَ الدَّمِ.
(وَلَوْ شَهَرَ مَجْنُونٌ أَوْ صَبِيٌّ عَلَى آخَرَ سَيْفًا فَقَتَلَهُ الْآخَرُ عَمْدًا فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ وَلَوْ قَتَلَ جَمَلًا صَائِلًا عَلَيْهِ ضَمِنَ قِيمَتَهُ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجِبُ الدِّيَةُ فِي الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَيَجِبُ الضَّمَانُ فِي الدَّابَّةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجِبُ فِي الْكُلِّ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ وَلَنَا أَنَّ الْفِعْلَ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ غَيْرُ مُتَّصِفٍ بِالْحُرْمَةِ فَلَمْ يَقَعْ بَغْيًا فَلَا تَسْقُطُ الْعِصْمَةُ بِهِ لِعَدَمِ الِاخْتِيَارِ الصَّحِيحِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ بِقَتْلِهِمَا وَلَا الضَّمَانُ بِفِعْلِ الدَّابَّةِ وَإِذَا لَمْ يَسْقُطْ كَانَ قَضِيَّتُهُ أَنْ يَجِبَ الْقِصَاصُ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ فَيَجِبُ الدِّيَةُ فِي الْآدَمِيِّ وَالْقِيمَةُ فِي الدَّابَّةِ.